للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فادْعُ غيري إلى عبادة رَبَّيْـ ... ـن فإني بواحد مشغولُ

وما زال هذا الضرب القصير من الهجاء اللاذع ينمو حتى تحول عند ابن الرومي إلى ما يشبه الصور الساخرة "الكاريكاتورية" وسنعرض لذلك عنده في الفصل التالي.

ومر بنا أنهم أثاروا في هذا العصر دعوة الشعوبية، ومن خلال تطور فن الفخر القديم؛ فلم يعد فخرًا في حدود العصبيات القبلية فحسب، بل أخذ يجول في حدود العصبيات الجنسية، على نحو ما أسلفنا عند بشار. وليس معنى ذلك أن الفخر القبلي اختفى فقد ظلت منه أسراب، ودخل فيها الموالي أيضًا، فافتخروا باليمنية والمضرية ولاء، على نحو ما نجد عند بشار في افتخاره بمضر، وكان أبو نواس يكثر من افتخاره باليمنية مواليه١، ومثله هارون مولى الأزد الذي كان يرد على الكميت، ويفخر بقحطان٢.

وتطور الغزل تطورًا قويًّا، ولا نقصد ما ظهر فيه من الغزل بالغلمان وآثامه؛ وإنما نقصد الغزل الطبيعي، فإن المرأة الحرة الكريمة لم تعد موضوعه، وإنما أصبح موضوعه الإماء والجواري ممن كانت تزخر بهن دور الرقيق ومجالس الشعراء وقصور الأشراف والخلفاء، وقد أذاعوا فيه ضروبًا من الحرية والصراحة المكشوفة كما أذاعوا فيه إغراء شديدًا ودعوة إلى التهتك والخلاقة وانتهاز الفرص واللذات، من مثل قول بشار٣:

لا يُؤْيِسَنَّك من مُخبَّأةٍ ... قولٌ تغلِّظه وإن قَبُحَا

عُسْرُ النساءِ إلى مياسرةٍ ... والصعب يمكن بعدما جَمَحا

ومن الحق أنهم بجانب ذلك استغلوا الغزل العذري العفيف الذي شاع في نجد وبوادي الحجاز أيام الأمويين، واشتهر بالضرب على مثاله العباس بن الأحنف، وحتى الشعراء الماجنون من أمثال بشار وأبي نواس ومطيع بن إياس كانوا ينظمون


١ انظر طبقات الشعراء ص١٩٥ وما بعدها، والديوان ص١٥٥ وما بعدها.
٢ الحيوان ٧/ ٧٥.
٣ طبقات الشعراء ص٢٥، والأغاني ٣/ ٢٠٩، ٢٢١.

<<  <   >  >>