للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُدخل في نسيجها بعض الحكمة؛ فيقول:

الحر يلحى والعصا للعبد ... وليس لملحف مثل الرد١

وصاحب كالدُّمَّل الممد ... حملته في رقعة من جلدي

وينتقل إلى المديح فيصف ممدوحه بالشجاعة والكرم على طريقة العرب ويقول في تضاعيف ذلك

ما كان مني لك غيرُ الوُدِّ ... في ثناء مثل ريحِ الوردِ

وبمثل هذه الخيوط الجديدة يختلف مديح بشار عن المديح القديم؛ فالقصيدة في الظاهر توغل في التمسك بإطار القدماء ومعانيهم، وفيها مع ذلك كثير من عقل بشار وذوقه وبراعته في التصوير ويضرب القدماء لتلك البراعة مثالًا: أنه ما زال يدبر في نفسه بيت امرئ القيس في وصف العقاب:

كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي٢

حتى قال في المديح:

كأن مُثارَ النقعِ فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه٣

وإذا تركنا مديحه إلى فخره وجدنا فيه نفس متانة البناء ونفس الصياغة الباهرة التي تميز بها شعراء العرب السابقين من أمثال زهير والنابغة وجرير، وإنه ليضيف إلى معانيه مبالغة تزيدها جمالًا على شاكلة قوله مفتخرًا بقيس مواليه في ميميته المشهورة٤:

إذا ما غضبنا غضبة مُضَريَّةً ... هتكنا حجابَ الشمسِ أو تمطر الدَّما

وكنا نتمنى أن لو ظل يفتخر بالعرب وأن لا ينقلب مع الثورة العباسية يفتخر بآبائه من الفرس؛ حتى لا يؤذينا في فخره بشعوبيته، وكان حريًا به أن يظل مؤمنًا بالعرب الذين أورثوه هذا الفن الجميل.

وتطور الهجاء عنده على هدي الأمثال الفارسية القصيرة، إذا استطاع هو وصاحبه حماد عجرد أن يحدثا فيه هذا النمط القصير الذي سبق أن عرضنا

<<  <   >  >>