للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما جعله يحشد فيه كثيرًا من ألفاظ العامة، وخاصة إذا كان الغلام أعجميًّا؛ فإنه يستحلفه بآلهة العجم وبكتبهم المقدسة وما يؤلهون من كواكب ويقدسون من كهنة النار، ويسوق له في أثناء ذلك كلمات أعجمية كثيرة. وكان في هجائه كغزله بالغلمان يتعابث ويتماجن، وأحيانًا يجد، فيَرْمي بالزندقة ويقذف في الأعراض على شاكلة بشار. وهجاؤه الأول أخف، ومن أمثلته هجاؤه لإسماعيل بن نيبخت، وكان يرتعي على مائدته؛ ولكنه لم يسلم من عبثه، فقال فيه١:

خبز إسماعيل كالوشـ ... ي إذا ما شُقَّ يُرفا

وقال أيضًا٢:

على خبزِ إسماعيلَ واقيةُ البخل ... وقد حلَّ في دارِ الأمانِ من الأكلِ

وما خبزُه إلا كآوى يرى ابنها ... ولم تر آوى في الحزن ولا السهلِ

وما خبزه إلا كعنقاء مغربِ ... تصوَّرُ في بُسُط الملوك وفي المثل

يحدَّث عنها الناس من غير رؤيةٍ ... سوى صورة ما إن تمر ولا تحلي

وكان يتوقر في مديحه وشعره الرسمي، ويختار له إطارًا جزلًا قويًّا متينًا، يقدم له بوصف الصحراء على طريقة القدماء، وقد وصف في قصيدته التي مدح به الخصيب رحلته من بغداد إلى الفسطاط، وهي التي يقول فيها٣:

فما جازه جودٌ ولا حلَّ دونه ... ولكن يصير الجودُ حيثُ يصيرُ

وكان يجنح في مديحه إلى المبالغة والإسراف على نفسه في الارتفاع بالممدوحين عن البشر؛ حتى ليقول في الرشيد٤:

وأَخَفْتَ أهلَ الشِّركِ حتَّى إنَّه ... لتخافُكَ النُّطَفُ التي لم تُخْلَقُ

ويقول في الأمين -إن صح أنه له- مستغلًا طريقة المتكلمين٥:

ألا يا خيرَ منْ رأتِ العيونُ ... نظيرُك لا يحسُّ ولا يكونُ


١ الديوان ص١٧٢.
٢ الحيوان ٣/ ١٢٩، والديوان ١٧١، وأخبار أبي نواس ١٢٧.
٣ الديوان ص٩٨.
٤ الديوان ص٦٢.
٥ الديوان ص١١٦، ونسب ابن المعتز الأبيات للنظام. انظر: طبقات الشعراء، ص٢٧٢.

<<  <   >  >>