ويستمر في هذا الأسلوب السهل العذب حتى ينتقل إلى المديح فيقول:
أتته الخلافةُ منقادةً ... إليه تجرر أذيالها
ولم تك تصلح إلا له ... ولم يكن يصلح إلا لها
ولو رامها أحدٌ غيرُهُ ... لزلزلت الأرضُ زلزالها
ولو لم تطعه بناتُ القلوبِ ... لما قبل اللهُ أعمالَها
وإن الخليفةَ من بغض لا ... إليه ليُبْغِضُ من قالها
وواضح أنه يختار لمديحه أسلوبًا خفيفًا قريبًا إلى النفوس، وهو في ذلك يخطو بعد بشار خطوة؛ فقد كان بشار يحافظ في مدائحه على الأسلوب الجزل القويّ، وكذلك كان يصنع أبو نواس غالبًا، أما أبو العتاهية فالتزم هذا الأسلوب اليسير لا في غزلياته، كما كان أبو نواس بل أيضًا في مدائحه، وهي سهولة تقترن بموسيقى صافية حلوة يبدو الشعر فيها كأنه أنغام خالصة. وتبلغ هذه السهولة الغاية في غزله؛ حتى ليقول ابن المعتز:"إن غزله لين جدًّا مُشَاكل لكلام النساء" وكأن ملازمته للمخنثين في مطلع حياته وتعرفه على لغتهم هما اللذان أتاحا له هذه السهولة المفرطة التي تلقانا في مثل قوله١:
كأنها من حسنها درةٌ ... أخرجها اليمُّ إلى الساحلِ
كأن في فيها وفي طرفها ... سواحرَ أقبلن من بابلِ
لم يبقِ مني حبُّها ما خلا ... حشاشة في بدنِ ناحلِ
يا من رأى قبلي قتيلًا بكى ... من شدة الوجد على القاتل
والرقة واضحة في هذه الأبيات، وهي تقع من القلوب موقع الزُّلال البارد من الظمآن، وكأنها الماء السلسبيل
وانتقل أبو العتاهية بهذا الأسلوب السهل الممعن في سهولته إلى الدور الثاني من حياته دور الزهد والدعوة إلى الانصراف عن الدنيا ومتاعها، والتفكير