للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجْرِرْتُ حبلَ خليع في الصبا غزلِ ... وشمرت همم العذال في العذلِ١

هاج البكاءُ على العينِ الطموحِ هوى ... مفرقٌ بين توديعٍ ومُحْتَمَلِ٢

كيف السُّلوُّ لقلب راح مختبلًا ... يهذي بصاحب قلب غير مختبلِ

والجهد واضح في الأبيات سواء من حيث اختيار الألفاظ، أو من حيث إضافة زخارف الجناس والطباق؛ فهو يجانس بين العذال والعذل، وهو يطابق بين المختبل وغير المختبل، وفي البيت الثاني طباق دقيق بين الهوى المقسم بين التوديع والاحتمال أو الارتحال، فإن التوديع يتضمن الإقامة القليلة، وهو عكس الارتحال. ونمضي معه إلى المديح فنراه كله على هذا الطراز.

يغشى الوغى وشهابُ الموتِ في يديه ... يرمي الفوارسَ والأبطال بالشعل٣

يفترُّ عند افترار الحرب مبتسمًا ... إذا تغيَّر وجه الفارسِ البطلِ

موف على مهجٍ، في يوم ذي رَهَجٍ ... كأنه أجلٌ يسعى إلى أملِ٤

ينالُ بالرفق ما يعيا الرجال به ... كالموت مستعجلًا يأتي على مهلِ

لا يرحلُ الناسُ إلا نحو حجرتِه ... كالبيتِ يفضي إلى ملتقى السُّبلِ

يقْرِي المنيةَ أرواح الكُمَاةِ كما ... يقري الضيوف شحوم الكوم والبزلِ٥

يكسو السيوفَ دماءَ الناكثين به ... ويجعل الهامَ تيجانَ القنا الذُّبُلِ٦

قد عوَّد الطيرَ عادات وثِقْن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحلِ

وأنت تراه يعتمد على النحت وقوة البناء، كما يعتمد على الزخرف والتصنيع؛ حتى يصبغ هذا الديباج أو النسيج المتين بالألوان والأطياف. وانظر في البيت الأول فإنك تراه يستعير الشهاب للسيف، ويجعله شهاب الموت، وهو شهاب تسقط منه على الفوارس الأعداء الشعل فتحرقهم حرقًا لا يبقى ولا يذر. وحاول


١ أجررت حبل خليع: من قول العرب: أجررت البعير حبله إذا تركته يصنع ما يشاء.
٢ محتَمَل: ارتحال، من احتمل القوم أي ارتحلوا.
٣ الوغى: الحرب.
٤ الرَّهَج: غبار الحرب.
٥ يقري: يطعم. الكوم من الإبل: ضخمة الأسنمة، واحدتها كوماء. والبزل: جمع بازل وهو المسن الذي أكمل تسعة أعوام.
٦ الهام: الرءوس، الذيل: الرقيقة القاتلة، والكماة: جمع كَمِي وهو الشجاع.

<<  <   >  >>