للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وقف عند هذا الجانب في كتابه عنه؛ ولكن مع شيء من التحفظ والاحتياط. والحق أن الوراثة عند ابن الرومي ليست كل شيء في شعره؛ إذ ينبغي أن نضيف إليها الثقافة اليونانية الإسلامية التي كان يتثقفها الشعراء في القرن الثالث؛ فعند ابن الرومي يونانيةٌ أصيلة ويونانية مكتسبة لعلها أهم من يونانيته الأصيلة، وهناك أيضًا ثقافة إسلامية عربية مكتسبة، وإذن ففي شعر ابن الرومي عناصر ثلاثة تؤثر فيه لا عنصر واحد.

وهذه العناصر الثلاثة يضاف إليها عنصر رابع، وهو عنصر شخصي خاص بمزاج ابن الرومي، وكان له تأثير مهم في شعره؛ إذ كان حاد المزاج معتل الطبع ما يزال يتطير ويتشاءم ويبالغ في ذلك مبالغة شديدة حتى ليقول الزبيدي: "إنه كان لا يدع التطير والتفاؤل في جميع حركاته وتصرفه"١ وكان يحتج لذلك بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحب الفأل ويكره الطِّيَرة وأن عليًّا كان لا يغزو غزاة والقمر في برج العقرب، ويقول إن الطيرة موجودة في الطباع قائمة فيها٢.

ويقص الرواة في طيرته أقاصيص غريبة؛ فمن ذلك ما رواه الحصري عن علي بن إبراهيم كاتب مسروق البلخي؛ إذ قال: "كنت بدار مسروق جالسًا، فإذا حجارة سقطت بالقرب مني، فبادرت هاربًا، وأمرت الغلام بالصعود إلى السطح والنظر إلى كل ناحية من أين تأتينا الحجارة، فقال: امرأة من دار ابن الرومي الشاعر قد تشوَّفت، وقالت: اتقوا الله فينا، واسقونا جرة ماء وإلا هلكنا؛ فقد مات من عندنا عطشًا. فتقدَّمت إلى امرأة عندنا ذات عقل ومعرفة أن تصعد إليها وتخاطبها، ففعلت، وبادرت بالجرة، واتبعتها شيئًامن المأكول، ثم عادت إلي، فقالت: ذكرت المرأة أن الباب عليها مقفل في ثلاث ليال؛ بسبب طيرة ابن الرومي، وذلك أنه يلبس ثيابه كل يوم ويتعوذ، ثم يصير إلى الباب والمفتاح معه، فيضع عينه على ثقب في خشب الباب، فتقع.


١ طبقات النَّحويين، للزبيدي "طبعة الخانجي" ص١٢٦.
٢ زهر الآداب ٢/ ١٧١.

<<  <   >  >>