للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما نعرف في كتب البلاغة العربية؛ ولكنهم عادوا فاحتكموا إلى التشبيه في بيان هذه الاستعارة، وبذلك لم ينفع الاسم المقترح وعاد الخلط والإبهام.

وإنه ليحسن أن نفصل هذا الصِّبغ من التصوير عن الاستعارة ونصنع صنيع أصحاب البلاغة من الغربيين؛ إذ سموه باسم التشخيص١ "personification" وفضلوه عن المجاز "metaphor" وكان يسميه أرسططاليس قوة وضع الأشياء تحت العين٢؛ إذن كنا لا نقع في عيب أبي تمام ولومه على أساس تصور القدماء ونقَّادهم لهذا الجانب من التصوير.

وإنه لينبغي أن نعرف أن أبا تمام لم يحدث هذا الصبغ في اللغة العربية إحداثًا؛ فمن قبله نجد له أمثلة منتشرة في النصوص القديمة، وذكر ابن المعتز في كتابة البديع طرفًا٣ منها، من ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} وقوله عز وجل: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} ، وجاء في الشعر الجاهلي، يقول امرؤ القيس في وصف الليل:

فقلتُ له لما تمطَّى بصلبه ... وأردف أعجازًا وناءَ بكَلكَلِ٤

ويقول طفيل:

وجعلت كورى فوق ناجية ... يقتات لحم سنامها الرَّحل٥

ويقول لبيد:

وغداة ريحٍ قد كشفت وقرَّة ... إذا أصبحت بيدِ الشمالِ زمامُها٦


١ J.F. Genung, the Working Principles of Rhetoric, p.٨٤.
٢ انظر الفقرة الحادية عشرة في كتاب "العبارة من مؤلف الخطابة" لأرسططاليس في مجموعة W.D.Ross, the Works of Aristotle,vol, m١.
٣ انظر كتاب البديع طبع كراتشقوفسكي ص٣ وما بعدها.
٤ تمطى: امتد. صلبه: ظهره. الأعجاز: جمع عجز، وهو مؤخر الحيوان. ناء بكلكل: نهض بصدره.
٥ الكور: الرَّحل. الناجية: الناقة القوية السريعة.
٦ القرة: ما يصيب الإنسان من القرِّ وهو البرد. الشمال: الريح. يريد أنه كف أذى الريح والبرد بتوزيع الطعام على الفقراء.

<<  <   >  >>