للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو سعيد رأس الدولة العباسية في صراعها مع دولة الروم الشرقية، وهي تجري على هذا النمط البديع.

لقد انصعت والشتاء له وجـ ... ـه يراه الرجال جهمًا قطوبا١

طاعنًا منحر الشمال متيحًا ... لبلاد العدو موتًا جنوبا

في ليالٍ تكاد تبقى بخد الشـ ... مس من ريحها البليل شحوبا

فضربت الشتاء في أخدعيه ... ضربة غادرته قودًا ركوبا

لو أصخنا من بعدها لسمعنا ... لقلوب الأيام منك وجيبا٢

وهي قطعة بديعة، تصور أعداء أبي سعيد في الشمال ومعهم الثلوج، وهو يقتحم عليهم من الجنوب معاقلهم فيحطمها حطمًا.

والحق أن هذه الصورة جميعًا التي وقف عندها الآمدي٣ ليست قبيحة؛ إنما كل ما يمكن أن يقال إن طائفة منها غير مألوفة، وأن أبا تمام قد ينسيه تعمقه في مذهبه وشغفه بالصور والتصوير ما قد يكون في بعض رسومه من صور غريبة؛ وهي إن دلت على شيء؛ فإنها تدل على أنه كان يعجب إعجابًا شديدًا بما يتخذه في حرفته من أدوات فنية جديدة، وهي جميعها أدوات كان يريد بها أن يزخرف الفن ويزينه؛ غير أنه كان يقع من حين إلى حين على زخرف غريب غير مألوف فيتشبث به خصومه ويبالغون في الإزراء عليه.

ومن المحقق أنه كان في جوانب كثيرة من هذه الصور الغريبة يحاول أن يجدد وأن يلائم بين العصر وأفكار الشعر كما نرى في مثل قوله:

سلوتُ إن كنتُ أدري ما تقول إذن ... جعلت أنملة الأحزانِ في أذني

فتلك أنملة غريبة غرابة تلك الصورة؛ إذ يقول:

أتاني من الرُّكبان ظنٌّ ظننته ... لففتُ له رأسي حياءً من المجدِ


١ انصعت: رجعت مسرعًا، والجهم القطوب: العبوس.
٢ أصخنا: أصغينا. الوجيب: الخفقان والارتجاف.
٣ الموازنة ص١٠٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>