للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أحدث هذا الصراع في فرنسا بين الرمزيين وغيرهم موجة واسعة من النقد، وظهرت كتب وأشعار تنعي طريقتهم، كما نجد عند فكير "Vicaire" الشاعر الفرنسي الريفي١ وغيره. وحدث مثل ذلك في العراق إزاء أبي تمام؛ إذ نرى ابن المعتز الشاعر يكتب رسالة في مساويه٢، واتسعت هذه الموجة من النقد في فرنسا، ولا تزال آثارها إلى اليوم، كما اتسعت في العصر العباسي عند العرب، ووجد لها أنصار ومعارضون كثيرون، وكتبت حولها كتب متعددة؛ فكتب الصولي وكتب الآمدي وكتب غيرهما. وكان ذلك حريًا أن ينقل الشعر العربي نقلة واسعة؛ غير أن خصوم أبي تمام ظلوا يزعمون أنه لا يضيف جديدًا إلى الفن إلا صعوبة وعسرًا في التعبير، وتلوَّموه من أجل ذلك كثيرًا ولم يلتفتوا إلى أنه كان يحوِّل في مجرى الشعر العربي وفي منابعه؛ فليست المسألة مسألة صعوبة أو غرابة في التعبير والتصوير كما ظن الآمدي وأمثاله؛ إنما هي مسألة اتجاه جديد في الشعر. ونفس أنصار أبي تمام لم يستطيعوا وصف فنه على نحو ما نجد في النقد الفرنسي الحديث إزاء الرمزيين، ولذلك ظلت مدرستهم قائمة في فرنسا، وتعدد أفرادها من أمثال "Verlaine" ومالارمية "Mallarme" كما تعدد تلامذتها، أما أبو تمام فلم ينهض به أحد إلا نهوضًا قاصرًا على نحو ما رأينا عند البحتري من جهة، وعلى نحو ما سنرى عند ابن المعتز من جهة أخرى.

ومن عيب النقد العربي أنه لم يكن يتصور فكرة المذاهب والمدارس كما نتصورها في عصرنا الحديث؛ ولذلك كنا نجد دائمًا عند أصحابه خلطًا في فهم المذاهب والاتجاهات الفنية، وكان من الصعب أن ينجح اتجاه فني جديد، وأكبر الظن أن ذلك كان من أهم الأسباب التي حالت دون التجديد الواسع في الشعر العربي؛ فهذا أبو تمام يدخل الغموض والدقة والفلسفة في الفن، فلا يناقشه النقاد في أصول هذا العمل؛ إنما يناقشونه في أسلوب ملتوٍ أو عبارة غريبة وصورة غير


١ D.mornet, Histoire de la Lit- terature et de la Pensee Fran,caise Contemporaine, p. i٩٨.
٢ الموشح للمرزباني ص٣٠٧.

<<  <   >  >>