والسوسنُ الأبيضُ منشور الحلل ... كقطنٍ قد مسه بعض البلل
وقد بدت منه ثمار الكَنْكَرِ ... كأنه جماجمٌ من عنبرِ
وحلق البهارِ بين الآسِ ... جمجمةٌ كهامةِ الشَّمَّاس
وجلَّنارٌ كاحمرارِ الخدِّ ... أو مثل أعرافِ ديوكِ الهندِ
فإنك تعجب من تلك الأوضاع الكثيرة التي استخرجها من صبغ التشبيه وراح يطرز بها هذا الوصف البديع للرياض، وما يجري فيها من تلك الصور المختلفة التي يغرق فيها البصر؛ فهنا صفرة عسجدية، وهناك خضرة زبرجدية، وثَمَّ حمرة وردية. وليس من شك في أن قارئ ابن المعتز إذا كان مرهف الحس إرهافه، علاه ذهول وحيرة إزاء تلك الصور والأوضاع لصبغ التشبيه التي يعرضها علينا في تلك الأشكال والطرائف النادرة.
وإن الإنسان ليفكر حقًّا في هذه القدرة على التصوير، هي لا تقف عند وصف الطبيعة والرياض، بل تتعداها إلى كل شيء يلتقطه خيال ابن المعتز، وانظر إليه يصف سباق الخيل:
خرجن وبعضهن قريبُ بعضٍ ... سوى فوت العذارِ أو العنانِ
ترى ذا السَّبق والمسبوقَ منها ... كما بسطت أناملها اليدان
فإنك تراه يحكم الصورة إحكامًا طريفًا. وانظر إليه يقول في مقلة البازي:
ومقلةٍ تصدقُهُ إذا رمقْ ... كأنها نرجسةٌ بلا ورقْ
فليس من شك في أنك تعجب بهذه الصورة النادرة التي عمد فيها ابن المعتز إلى التفصيل، وانظر إليه يقول في أذن كلب الصيد:
وأذنٍ ساقطةِ الأرجاءِ ... كوردة السوسنةِ الشَّهلاءِ
وعلى هذا النمط ما يزال ابن المعتز يستخرج من صبغ التشبيه صورًا وأشكالًا لا تحصى؛ حتى ليشعر من يقرأ ديوانه أنه يعيش في تلك الرياض من البنفسج التي وصفها في قوله:
كنّ سماءنا لما تجلَّت ... خلال نجومها عند الصباحِ