شيئًا أكثر من التلفيق؛ فهو يحاول أن يحاكي الأصل محاكاة تامة، بل لعله لا يستطيع أن يصل إلى عرضه بصورته القديمة، إنما يعرضه في صورة ملفقة، شوهت أجزاؤها، وخلطت جوانبها خلطًا قبيحًا.
التَّحْويرُ الفَنِّيُّ:
هناك نوعان من التحوير إذن نجدهما في الشعر العربي، نوع يمكن أن نُبقي له الاسم العام ونضيف إليه وصفًا يميزه فنسميه باسم "التحوير الفني" ونوع آخر يمكن أن نسميه باسم: التحوير الملفق، أو باسم: التلفيق؛ إذ يجمع الشاعر خواطر مضطربة يأخذها من هنا وهناك ويعرضها عرضًا مشوهًا، لا تلبث أن تقتحمه أذهاننا وتزدريه عقولنا. أما النوع الأول فكان يشيع في القرنين الثاني والثالث، ونحن نذكر بالإعجاب ما قام به أبو تمام في هذا الباب، واقرأ هذا البيت لزهير الذي مر بنا في غير هذا الموضع:
أثافيّ سُفْعًا في معرَّس مرجلٍ ... ونُؤيًا كجذمِ الحوضِ لم يتثلَّمِ
ثم انظر ما انتهت إليه هذه الأثافي وهذا النؤي عند أبي تمام؛ إذ يقول:
فإنك لا شك تُراع روعة شديدة فهو لا يسرق بل هو يحور تحويرًا يجعلك تنسى الأصل، وكأنه خلق الصورة خلق وابتكرها ابتكارا، واقرأ هذا البيت الذي سبق أن أنشدناه لطفيل:
وجعلت كُوري فوق ناجيةٍ ... يقتاتُ لحمَ سنامِها الرَّحلُ
ثم اقرأ ما انتهى إليه عند أبي تمام؛ إذ يقول:
رعته الفيافي بعد ما كان حقبةً ... رعاها وماءُ الرَّوضِ ينهلُّ ساكبُهْ
فليس من شك في أن هذه الصورة للبعير يرعى ويُرعى رعيًا غريبًا تستولي على أذهاننا، وتجعلنا نؤمن بمقدرة العقل الإنساني على التجديد والابتكار، ومن يستطيع أن يدعي على أبي تمام بأن هذه الصورة قديمة؟! لقد أضاف إليها فلسفة