للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسماء الإشارة في ديوان المتنبي؛ فقد ذكر صاحب الوساطة أن ما بشعره من هذه الأسماء يربي على ما يوجد في مجموعة من الدواوين القديمة١ وكان الأقرب أن يكثر ذلك في القديم ويقلّ في الحديث لانفصال الشعر عن الأسلوب الشفوي، ولأنه أصبح يكتب كما يكتب النثر، والمتنبي نفسه يقول في بعض أشعاره:

وأخلاقُ كافورٍ -إذا شئت مدحَهُ ... وإن لم أشأ- تملى علي وأكتُبُ

فهو يسمي النَّظم كتابة، ولذلك كان من المحتم أن تكون به سمات الأسلوب الكتابي فكيف جاءت هذه الكثرة من أسماء الإشارة؟ جاءته -كما قلنا- من هذا التصنع لعبارات المتصوفة التي تعتمد على الكشف والمخاطبة في الحضرة، كما جاءته لنفس السبب هذه الكثرة من حروف النداء، وكما جاءته هذه الضمائر الكثيرة من حروف النداء، وكما جاءته هذه الضمائر الكثيرة في شعره؛ إذ كان يحاول أن يعبر تعبيرات صوفية تصور الحلول والتجريد والملابسة وما يتبع ذلك من الكشف والمشاهدة، وكان التعبير عن هذه الأفكار لا يزال -كما أسلفنا- حديثًا في اللغة لم تلن له ولم تمرن عليه؛ فكانت تظهر هذه الانحرافات والصعوبات في الأسلوب.

ولكن إذا أمكن أن نعلل لهذه الجوانب المختلفة في أسلوبه باصطناع عبارات المتصوفة؛ فكيف يمكن أن نعلل بنفس العلة لاستعماله التصغير في أشعاره وإكثاره منه على نحو ما رأينا في بيت النداء السابق.

إِذا عَذَلوا فيها أَجَبتُ بِأَنَّةٍ ... حُبَيِّبَتا قَلبًا فُؤادًا هَيا جُملُ

فنحن نراه يصغر: حبيبته، تصغير تعظيم، ومن ذلك قوله الآنف الذكر:

أُحادٌ أَم سُداسٌ في أُحادِ ... لُيَيلَتُنا المَنوطَةُ بِالتَّنادِ

فقد صغر ليلة أيضًا تصغير تعظيم، ويكاد الإنسان لا يجد شاذة من شواذ التصغير إلا ولها أمثلة في شعره؛ فهو يصغر فعل التعجب كقوله:

أَيا ما أُحَيسِنَها مُقلَةً ... وَلَولا المَلاحَةُ لَم أَعجَبِ

ويصغر اسم الإشارة في قوله:


١ الوساطة ص٩٧.

<<  <   >  >>