وعلى هذا النمط نراه ساخطا في ديوانه على الدهر والناس ومجتمعهم الفاسد سخطًا شديدًا. والإنسان لا يقرأ فيه وفي أبي العلاء حتى يشعر بالصلة الواضحة بين الشاعرين في تشاؤمهما. وكأني بأبي العلاء لم يصنع أكثر من تنميته لهذا الجانب الذي وجده عند أستاذه المتنبي. واقرأ هذا البيت:
فإنك ترى فيه جانبًا من منهج أبي العلاء في حياته؛ إذ حرَّم على نفسه الزواج كما حرم عليها طلب النوال من الخلفاء والأمراء، ومعروف أنه أشاع هذا النهج من التشاؤم في لزومياته. على أنه ينبغي أن نعرف أن المتنبي لم يكن يائسا في تشاؤمه على نحو يأس أبي العلاء؛ إنما هو يتشاءم تشاؤم المحروم الذي يحس بلذائذ ومسرات في الحياة لا يستطيع أن ينالها، ولعله من أجل ذلك كان يعلن عشقه للدنيا وعتبه عليها فهي صادَّة عنه مدلَّة عليه، يقول:
ومن لم يعشقِ الدُّنيا قديْمًا ... ولكن لا سبيلَ إلى الوصالِ