للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخاطب فيها أمه١ والأخرى التى يرئيها بها رثاء حارا٢. وهو بارع في تصوير أحاسيسه ومشاعره، سواء تحدث إلى ابن عمه وهو في أسره٣ أو خاطب حمامة تنوح٤، أو صور ليلة من ليالى حبه٥. غير أن شعره في جملته لا يصعد إلى الأفق الذى يحلق فيه المتنبى، لسبب بسيط وهو أنه أمير مترف، يتناول شعره كما يتناول حياته في يسر وسهولة.

الشريف الرضى:

هو محمد بن الحسين الموسوى، ولد ببغداد سنة ٣٥٩ للهجرة، وكان أبوه نقيب العلويين وعسى بتخريجه على كبار الأساتذة في عصره من أمثال ابن جنى، الذى لا نشك في أنه دفعه دفعًا إلى حفظ شعر المتنبى ومحاكاته؛ إذ كان يعجب به إعجابًا شديدًا. وكان الرضى شاعرًا بارعًا كما كان عالمًا بارعًا، وله مؤلفات كثيرة في تفسير القرآن الكريم وغيره. ولما توفى أبوه عينه بهاء الدولة البويهى نقيبًا للأشراف العلويين سنة ٣٩٧ ثم خلع عليه لقبى الرضى والشريف، وظل موقرا مهيب الجانب إلى أن توفي سنة ٤٠٦.

وهو في شعره يكثر من مديح الخلفاء العباسين لعصره وأمراء بنى بويه ووزرائهم؛ إلا أنه يتوقر في مديحه ولا يسف إلى مغالاة أو غلو، بل يحتفظ بكرامته، وهى كرامة ترد إلى طيب محتده ومكانته في بيته وعصره، وكل من يقرأ ديوانه يحس الصلة واضحة بينه وبين المتنبي؛ فقد كان يحتذي شعره احتذاء، ولعل ذلك ما جعله يكثر من الفخر والاعتداد بنفسه، كما أكثر من نقد الأخلاق وأحوال المجتمع والناس من مثل قوله:

وخلائق الدنيا خلائق مومس ... للمنع آونة وللإعطاء

طورًا تبادلك الصفاء وتارة ... تلقاك تنكرها من البغضاء


١ انظر ديوان أبي فراس "نشر سامي الدهان-طبعة المعهد الفرنسي بدمشق" ٣/ ٣٣٠.
٢ الديوان ٢/ ٢١٥.
٣ راجع الروميات في الديوان.
٤ الديوان ٣/ ٣٢٥.
٥ الديوان ٣/ ٣٩.

<<  <   >  >>