فأعرب عن إقدام يعربَ واحْتَبَى ... فلم ينسَ من هودٍ سنَاءَ ولا هَدْيا
ومن حميرٍ ردَّ القنا أحمر الذُّرى ... ومن سبأ قادت كتائبُهُ السَّبيا
وما نام عن عرقُ قحطان إذ فَدى ... عروق الثَّرى من غُلَّة القحطِ بالسُّقيا
ولا اسكَنَتْ عنه السَّكونُ زيادةً ... ولا رضيت طي لراحته طَيَّا
ولا كَنَدَتْ أسيافُهُ ملك كندةٍ ... فتترك في أركان عزَّتِهِ وهيا
وكائن له في الأوسِ من حق أسوةٍ ... بنصب الهدى جهرًا وبذل الندى خفيا
فقد ملأ هذه القطعة بالجناس إذ جانس بين يعرب وأعرب وينس وسناء وهود وهدى وحمير وأحمر وسبأ والسبي وقحطان والقحط وأسكنت والسكون وطي وطيا وكندت -أي جحدت- وكندة والأوس وأسوة، أرأيت إلى كل هذه الجناسات المتكلفة؛ ألا تحس أن لون الجناس عند صاحبنا قد أصبح شيئًا ثقيلًا على الأذن واللسان؟
غير أنه بدع جديد كان يراه الشاعر الأندلسي في شعر المشارقة فيتعلق به كما يتعلق بالطباق على نحو ما نرى في هذه القطعة نفسها، وكما يتعلق بألوان التصنع الأخرى من ذكر الأنساب أو الألفاظ الغريبة أو الأمثال أو النحو.
وكان ابن دراج لا يكتفي بذلك؛ إذ نراه في شعره يعنى بالاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف كقوله في الوزير أبي الأصبغ عيسى بن سعيد القطاع:
أَبا الأصبَغ الْمعْنيَّ هل أَنت مُصْرِخِي ... وهلْ أَنتَ لي مُغْنٍ وهل أَنتَ لي مُعْلِي
وقوله في على بن حمود:
تجزَّأ من جنتي مأرب ... بخمطٍ وأثلٍ وسدرٍِ قليلِ
وقوله في خيران العامري صاحب المريَّة:
فتىً سيفه للدين أمن وإيمانُ ... ويمناهُ للآمالِ روحٌ وريحانُ
فَفُضَّت سيوفٌ حاربته وأيمنٌ ... وشاهت وجوهٌ فاخرتْهُ وتِيجَانُ
وأكبر الظن أن منهج ابن دراج اتضح لنا الآن وتكشف عن جميع صفاته وخصائصه وهو ليس منهجًا جديدًا، فالأندلس لا تستطيع أن تمد الأدب العربي