للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوههم دائمًا نحو المشرق يقلدون شعراءه في مذاهبهم ونماذجهم، ولعله من أجل ذلك شاعت عندهم فكرة معارضة قصائد المشارقة، فابن برد الأصغر ينظم قصيدته:

بخداعٍ علَّلُوه ... وبهجرٍ وصَلُوهُ

على نمط قصيدة لشاعر من شعراء بغداد في وزنها ورويها١، وابن زيدون ينظم قصيدته

المشهورة:

بنتُم وبنَّا فما ابتلَّت جوانِحُنا ... شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا

على نمط قصيدة البحتري:

يكاد عاذلنا في الحب يغرينا ... فما لجاجُك في عذلِ المحبينا

وابن خفاجة ينظم قصيدته:

كفاني شكوى أن أرى المجدَ شاكيا ... وحسب الرزايا أن تراني باكيا

على نمط قصيدة المتنبي:

كفي بك داءً أن ترى الموتَ شافيا ... وحسبُ المنايا أن يكنَّ أمَانيا

وهو كذلك ينظم قصيدته:

قل لِمَسْرَى الرِّيحِ من إضمِ ... وليالينا بذي سلَمِ

على نمط قصيدة أبي نواس، إن صح أنها له:

يا شقيقَ النَّفْسِ من حكمِ ... نمت عن ليلى ولم أَنَمِ

وعلى هذه الشاكلة يصوغ الشعراء قصائدهم على صورة القصائد العباسية، وهي صورة لا تقف عند المشابهة في الوزن والروي، بل تمتد إلى المشابهة في المعاني والأساليب، وكأنما القصيدة في رأيهم ليست إلا تلفيقًا للمواد الفنية التي تركها العباسيون، فهم يبدِئُون ويعيدون في المعاني والصور الموروثة دون أن يضيفوا.


١ الذخيرة ٢/ ٤٣.

<<  <   >  >>