للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها جديدًا إلا قليلًا. إنما هي مواد وعناصر تتراكم وتتجمع فتحدث قصيدة ولكنها لا تحدث عملًا فنيًّا قيمًا إلا في الندرة، أما الكثرة فإنها تصنع تحت تأثير المواد العتيقة، ولقد كان حريًا بالشعراء أن ينحوا عن شعرهم كل ما هو عتيق؛ غير أن التفكير الفني عند العرب كان قد فَقَدَ كل مقدرته على الابتكار والتجديد ولذلك لم يستطع الأندلسيون أن يتجهوا بشعرهم إلى وجهات جديدة، سوى ما سنراه بعد قليل عندهم من الموشحات والأزجال، أما بعد ذلك فالشعر الأندلسي باقٍ على قديمه العربي، سوى ما كان من تجديداته في أوزان موشحاتهم وأزجالهم، وهي تجديدات اضطرهم إليها الغناء اضطرارًا، أما بعد ذلك فأساليبهم وصورهم هي نفس الأساليب والصور المشرقية. ونحن نبحث عبثًا إذا حاولنا أن نجد عند الأندلسيين رغبة في تغيير صياغة الشعر تغييرًا تامًّا بحيث تدفع بالشعراء إلى إحداث مذهب جديد، إنما هم يعيشون في الإطار الفني العباسي العام وما فيه من مذاهب الصنعة والتصنيع والتصنع يخلطون بين هذه المذاهب في غير نظام ولا نسق معين على نحو ما رأينا سابقًا عند ابن هانئ وابن دراج، ونحن نقف عند نفر من شعراء هذا العصر لنرى حقيقة هذا الرأي ومدى صحته.

ابنُ بُرْدٍ الأَصْغَر:

هو أبو حفص أحمد الأصغر حفيد ابن برد الأكبر الذي كان وزيرًا في الأيام العامرية وكان كاتبًا بليغًا أيضًا١. حدَّث الحميدي أنه رآه في المرية بعد الأربعين وأربعمائة غير مرة٢، وأشاد به صاحب الذخيرة؛ إذ يقول: "كان أبو حفص بن برد الأصغر في وقته فلكَ البلاغة الدائر ومثلها السائر، نفث فيها بسحره، وأقام من أودها بناصع نظمه وبارع نثره، وله إليها طروق، وفي عروقها الصالحة عروق"٣. ومن يرجع إلى القطعة التي رواها له صاحب


١ انظر ترجمته في: المغرب ١/ ٨٦. وبغية الملتمس: للضبي ص١٥٣. والمطمح: للفتح ص٢٤. والذخيرة ٢/ ١٨. ومعجم الأدباء: لياقوت ٢/ ١٠٦.
٢ معجم الأدباء ٢/ ١٠٦.
٣ الذخيرة ٢/ ١٨.

<<  <   >  >>