الذخيرة من شعره١، وهي قطعة كبيرة يراه يحتذي دائمًا على مثال العباسيين بل إنه ليبلغ من ذلك مبلغًا لا يكاد يدور بخلد الإنسان؛ فقلما يوجد له معنى إلا وهو مسبوق به، قد طرقه الشعراء من قبله، ولاحظ ذلك عليه صاحب الذخيرة في غير موضع من روايته لشعره، فمن ذلك قوله في النسيب:
لما بدا في لا زَوَرْ ... ديِّ الحرير وقد بَهَر
كبَّرتُ من فَرْطِ الجَمَالِ ... وقلت ما هذا بَشَرْ
فأجابني لا تنكرن ... ثوبَ السَّمَاءِ على القمَرْ
وهو من قول ابن الرومي:
يا ثوبهُ الأزرقُ الذي قد ... فاقَ العِراقيَّ في السناءِ
كأنه فيه بدرٌ تِمٍّ ... يشق في زُرْقةِ السماءِ
وقول ابن المعتز أيضًا:
وبنفسجي الثوبِ قَتْـ ... ـل محبِّه من دابِهِ
الآن صرتَ البدر حـ ... ينَ لبستَ ثوبَ سحابه
ونستمر في قراءة ابن برد، فإذا هو يقول:
بأبي أنت وأمي ... لم تطبَّعتَ بظلمي
أبدًا تأتي بعتبٍ ... دون أن آتي بجُرْمِ
بيننا في الحب قُربى ... سقمُ عينيك وجسمي
وهو من قول ابن الرومي:
يا عليلًا جعل العِلَّة ... مفتاحًا لسُقْمي
ليس في الأرض عليلٌ ... غير جفنيكَ وجسمي
وهو كما يتأثر ابن الرومي نراه يتأثر ابن المعتز؛ بل ربما كان تأثره بابن المعتز أكثر وأوضح، فقد تعلق مثله بالأوصاف والتشبيهات فمن ذلك قوله:
١ انظر الذخيرة، الجزء الثاني، من ص٣٧ إلى ص٥٠.