للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عارضٌ أقبل في جنح الدُّجى ... يتهادى كتهادي ذي الوَجَى١

أتلفتْ ريحُ الصَّبا لؤلؤه ... فانحنى يوقد عنه السُّرُجا

وقوله:

وكأن الليلَ حين لوى ... هاربًا والصُّبحُ قد لاحا

كلة سوداء حرَّقها ... عامدٌ أسرج مصباحا

فإن ذلك كله من قول ابن المعتز الذي مر في غير هذا الموضع:

والصبحُ يتلو المشتري فكأنه ... عُريانُ يمشي في الدُّجى بسراجِ

ويقول ابن برد في وصف كلف البدر:

والبدرُ كالمرآةِ غَيَّرَ صَقْلَها ... عبثُ العذاري فيه بالأنفاسِ

والليلُ ملتبسٌ بضوءِ صباحِهِ ... مثل التباسِ النِّقسِ بالقرطاسِ٢

وهو واضح الصلة يقول ابن المعتز في وصف فرند السيف:

جرى فوق متنَيهِ الفِرِندُ كأنما ... تنفسَ فيه القينُ وهو صقيلُ

وعلى هذا النمط نرى ابن برد يمضي في تأليف شعره، وكأنه نسخة طبق الأصل من شعر أصحاب المشرق، وخاصة ابن المعتز وابن الرومي.

والحق أنه ينبغي أن لا نتعلق بالفكرة الشائعة من أن الأندلس كان لها شخصية واضحة في تاريخ الشعر العربي، فإن هذه الشخصية تنحصر في كثرة الإنتاج وخاصة في شعر الطبيعة، أما بعد ذلك فالأندلس تستعير من المشرق موضوعات شعرها ومعانيه وصوره وأساليبه وكل ما يتصل به استعارة تكاد تكون طبق الأصل، على نحو ما نرى الآن عند ابن بُرْد؛ فقد استقر في أذهان الشعراء أن خير عصور الشعر وأزهاها هو العصر العباسي وما ينطوي فيه من شعراء عظام أمثال أبي نواس وأبي تمام والبحتري وابن الرومي وابن المعتز والمتنبي، فذهبوا يقرءون هؤلاء الشعراء وأمثالهم، ثم أخذوا يحاكونهم دون


١ العارض: السحاب الممطر. الوجى: الحفا أو أشد منه.
٢ النفس: المداد.

<<  <   >  >>