للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويستولى عليها. وحدث أن أرسل به المعتمد إلى إشبيلية في بعض المهام، فدعاه القدر هناك إلى جوار ربه سنة ٤٦٣.

وخصومة ابن زيدون لابن عبدوس -كما قدمنا- لم تكن ترجع إلى أسباب سياسية إنما كانت ترجع إلى حبه لولَّادة بنت الخليفة المستكفي فقد كان يحبها كذلك ابن عبدوس، وجعله هذا الحب يصطدم بابن زيدون، فكاد له حتى سجنه. وحياة ابن زيدون من الوجهة الأدبية حياة طريفة؛ فقد تعلق بولادة وأصبح مغرمًا بها صبًّا، وكان لها منتدى لطيف تجلس فيه للرجال والشعراء، ويظهر أنها كانت ماجنة خليعة. يقول صاحب الذخيرة: "إنها أوجدت إلى القول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها. كتبت -زعموا- على أحد عاتقي ثوبها:

أنا والله أصلحُ للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتيه تيهَا

وكتبت على الآخر:

وأمكن عاشقي من صَحْنِ خدي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها١

وهناك نص طويل يرويه صاحب الذخيرة عن ابن زيدون يصف فيه إحدى وقائعه الغرامية معها ذات ليلة٢، ومن يرجع إلى مجموع ما روي عن حياة ولادة في الذخيرة ونفح الطيب، ثم يرجع مع ذلك إلى ما روي في نفح الطيب عن غيرها من حرائر الأندلس٣ يحس أن المرأة الأندلسية الحرة لعبت في الأدب الأندلسي دورًا يشبه من بعض الوجوه دور المرأة في الأدب الفرنسي في أثناء القرنين السابع عشر والثامن عشر، وليس من شك في أن هذه الناحية تعطي ديوان ابن زيدون أهمية في تاريخ الشعر الأندلسي. على أنه ينبغي أن نعرف أن حبه لولادة أصطدم بأشياء؛ إذ نراها تؤثر ابن عبدوس عليه، ثم يفرق بينهما السجن ولا يستطيع أن يجد سبيلًا إلى لقائها، ثم يكون الحرمان منها بخروجه عن قرطبة إلى أشبيلية، ولوَّن ذلك شعره بألوان من الصبابة بها واللوعة فرأيناه يصف أيامه معها، كما يصف المعاهد التي كانا يتفرجان


١ الذخيرة ١/ ٣٧٦.
٢ الذخيرة ١/ ٣٧٧.
٣ انظر الجزء الثاني من نفح الطيب "طبع بولاق" من ص١٠٧٦ إلى ١١٧٣.

<<  <   >  >>