للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ عنه ذلك ابن عبد ربه صاحب كتاب العقد، ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر، وكسدت موشحاتهما، فكان أول من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المريَّة، وقد ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع أبا بكر بن زهر يقول: كل الوشاحين عيالٌ على عبادة القزَّاز فيما اتفق له من قوله:

بدر تم شمس ضحى ... غصنُ نقا مسك شمّ

ما أتم ما أوضحا ... ما أورقا ما أنم

لا جرمْ من لمحا ... قد عشقا قد حُرِم"١

وذكر ابن بسام أن الموشحات القديمة كان أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة وأنهم كانوا يبنونها على مركز من اللفظ العامي والعجمي. ولعل في هذا ما يشير في صراحة إلى أن الموشحات فن أندلسي محلي وإن كنا لا نؤمن بأنها نشأت من المزاوجة بين الشعر العربي وضروب من الأغاني الشعبية الأندلسية، كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين من المستشرقين؛ إنما نؤمن بأنها تطور تمَّ هناك للمسمطات والمخمسات التي عرفت منذ العصر العباسي الأول. ويقول ابن بسام أيضًا: إن الموشحات القديمة لم يكن فيها تضمين ولا أغصان؛ فلما جاء الرمادي أكثر من التضمين في المراكز ثم جاء عبادة بن ماء السماء فاعتمد مواقع الوقف في الأغصان يضمنها٢. وإذن فالأغصان وأوقافها وتضمين مواقع الأوقاف كل ذلك قد عرف عند عبادة بن ماء السماء كما عرفت المراكز من قبله، وكأني به هو الذي انتهى بالموشحات إلى صورتها الأخيرة. واشتهر من بعده في عصر ملوك الطوائف ابن أرفع رأسه، شاعر المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة، ثم جاءت الحلبة التي كانت في مدة الملثَّمين، وأشهرهم التُّطيلي صاحب الموشحة المشهورة:

ضاحكٌ عن جمان سافرٌ عن بدرِ ... ضاق عنه الزمان وحواهُ صدري

آه مما أجدْ ... شفَّني ما أجدْ


١ مقدمة ابن خلدون "طبع المطبعة البهية" ص٤٣٦.
٢ الذخيرة: لابن بسام ٢/ ٢.

<<  <   >  >>