وتتكرر هذه الصورة عادة في الموشحة خمس مرات أو سبعًا، ومهما يكن فقد انتشر الغناء وانتشرت معه هذه الموشحات وأجاد الشعراء فيها إجادة بالغة، واستمر ذلك في دولة الموحدين واشتهر فيها ابن زُهْر صاحب الموشحة التي تنسب إلى ابن المعتز، وقد عرضنا لها في غير هذا الموضع. وما زالت الأندلس تعنى بهذه الموشحات حتى العصور المتأخر؛ إذ نجد ابن سهل صاحب الموشحة المشهورة.
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلبَ صبٍّ حلَّه عن مكنسِ
فهو في نارٍ وخفقٍ مثلما ... لعبت ريح الصبا بالقبسِ
وقد نسج على منواله لسان الدين بن الخطيب في موشحته المعروفة:
جادك الغيثُ إذا الغيثُ همى ... يا زمانَ الوصلِ بالأندلسِ
لم يكن وصلك إلا حلما ... في الكرى أو خلسةَ المختلسِ
وكان يعاصره ابن زمرك، وهو يشتهر بوصفه الصباح في موشحاته حتى لتكون عنده الصبحيات مجموعة طريفة من الموشحات، ومن قوله في مطلع إحداها:
كحلُ الدُّجى يجري ... من مقلةِ الفجر
على الصباح
وعمَّت هذه الموشحات وانتشرت من المغرب إلى المشرق؛ ولكنها كما قلنا لم تحدث مذهبًا جديدًا في الشعر العربي؛ لأنها لم تغير في دلالته وصياغته العقلية والشعورية؛ إنما وقفت عند الصياغة الموسيقية. على أن النقاد لم يهتموا بها لخروجها عن أعاريض شعر العرب١، وكأن هذا الجانب هو كل ما لفتهم فيها من تجديد.
"ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلامته وتنميق كلامه وتصريع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا على