وبعد، فهل لعاقل أن يقول: إن الاسلام يحجر على العقل البشري، ويضعه في قوقعة زجاجية لا يخرج منها ولا يحيد عنها..؟
كلا! وإنما جعل له ميدانًا فسيح الأرجاء رحب البنيان.. جعل ميدانه، الأرض بما فيها من سهول وصحاري، وجبال ووديان ومزروعات ونباتات وأنهار وبحار، وحيوانات.. وإنسان.. والسماء وما فيها من شمس وقمر ونجوم وكواكب وما بين السماء والأرض.. كل هذا ميدان للعقل البشري.. أفلا يتسع هذا الميدان الرحب للعلم؟ ويبني إنسان هذا الجيل معلوماته على ما وصل إليه الأقدمون، ويترك للجيل بعده آفاقًا وآفاقًا.. وما زال الإنسان يدور في ذلك العلم منذ أن وجد على سطح الأرض.. ومع هذا فلم يصل إلى كل المعرفة، وإلى كل العلوم، وما زال هناك مجاهيل.. ربما تكتشفها الأجيال القادمة وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} ١.
فليس في الإسلام مجال للجذب والشد، وللمد والجزر بين رجال الدين ورجال العلم.. لأن رجال الإسلام هم العلماء، والعلماء ورثة الأنبياء، وكما أن العلم يتحقق بمعرفة الحلال والحرام والفرض والمسنون والمكروه، يتحقق كذلك بأن يأخذ الإنسان نصيبًا من العلوم الكونية والعلوم الإنسانية والعلوم النفسية.. وليس الإسلام هنا قصرًا على رجال معينين يسمون أنفسهم "برجال الدين" كما للكنيسة "كهنوت ورهبان" كلا.. الرجل في الإسلام أي رجل عليه أن يتعلم من أمور الدين بما يستقيم به شأن دينه, وعليه أن يتعلم من الأمور الدنيوية ما يزداد به إيمانًا وتقوى، وبما يخدم مجتمعه وأمته وحضارته.
وهكذا عمد الإسلام إلى بناء النفس الإنسانية على الإيمان بالله تعالى، وقرر أن الإيمان بالله سبحانه قوة دافعة تعطي الأمل، وتحول دون اليأس وتبعث الثقة المتجددة في النفس، وتحرص على الصبر والثبات على البحث العلمي النافع.. كما قرر أن الإيمان ليس مضادًا للعلم والمعرفة، وليست المعرفة بديلًا للإيمان.. فالإسلام يجمع بين مفهوم المعرفة القائم على الحس والتجربة،