للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخلقة، وفي وحدة المصير والمآل، وليس له أن يستعلي على غيره، أو أن يعتدي على أحد، أو أن يسلب الآخرين حقوقهم في الحرية والعمل والعلم ... وهكذا فإن الناس في قيم الإسلام وموازينه أبناء علات، كلهم لآدم وآدم من تراب ...

هذا المنهج الثقافي، وهذا العطاء الفكري والبذل الروحي والأساس الحضاري، وهذه المبادئ الاجتماعية والقيم الخلقية والآداب المعاشية تفردت بها الثقافة الإسلامية، ولم تستطع أية ثقافة من ثقافات العالم أن تضع الإنسان في مكانه المناسب، بل جعلت منه إما إنسانا مستعبدا مقهورا مظلوما مغلوبا على أمره لا يتمتع بأي حق من حقوقه الإنسانية الطبيعية, وإما إنسانا آخر طاغيا باغيا متسلطا متجبرا بغير حق. وسبب هذا الاختلال والاضطراب في مقياس الثقافات الأخرى يرجع إلى عدم اتصافها بصفة الاتزان والثبات، كما يرجع إلى أنها لا تستمد مبادئها وأسسها من وحي السماء.

والثقافة الإسلامية توثق الصلة بين الحاضر والماضي، فالماضي مجيد مشرق نهض به رجال آمنوا بالله ربا، وبمحمد نبيًّا، فبذلوا الغالي والنفيس لتكون كلمة الله هي العليا، ولم يخرج أحدهم من داره وبيته وبلده ليجوب أقصى الشمال، أو أقصى المغرب والمشرق من أجل مكسب مادي، أو منصب دنيوي، ولو كانت المكاسب المادية الدنيوية غاية واحد منهم لخرجوا من جزيرتهم محاربين قبل الإسلام، وقد عرفوا بالقوة والميل إلى الحرب والعنف والشدة، ولكن جهاد السلف الصالح، والرعيل الأول لم يكن ابتغاء مغنم أو لغرض دنيوي، وإنما كان من أجل إعلاء كلمة الحق ولينالوا إحدى الحسنين: إما الشهادة وإما النصر.

هذه الصفحة المشرقة البيضاء الناصعة التي سجلها رجال الإسلام الأبطال بأعمالهم المشرفة، لا بد أن تتألق في الحاضر، وأن تواصل المسيرة بتقدم نحو المستقبل في ركب حضاري مستمر لا يقف ولا يكل، لا بد للإسلام من رجال يحمون حماه، ويطبقونه على أنفسهم وفي مجتمعهم عقيدة وشريعة ومنهج حياة، يؤمنون به إيمانا مطلقا، ويتفانون في سبيل خدمته، وفي سبيل توضيح معالمه والدعوة إليه، وإبعاد الشبه والدسائس التي أثارها أعداء الإسلام من

<<  <   >  >>