وقد ظنه بعض الناس -لأجل هذا- ومنهم مغرض ينطوي على كيد ومكر ومنهم غيور على الحق لم يستوعب الأمر من أطرافه. ظن هؤلاء أن سيد رحمه الله تعالى يسعى للقضاء على الفقه، وإلى إهدار الجهود الكبيرة التي بذلها الفقهاء على مدار القرون.
وعلى كل حال نحن لا نبرئ سيد قطب رحمه الله تعالى، ولكنا لا نؤيد أولئك الذين نفخوا في زلته حتى بدت كالجبال.
ونلتمس له عذرا بأن كلامه هذا صدر عن انفعال وحماس وتأثر وأنه نفسه مصدور وزفرة مكلوم١ اطلع على واقع العالم الإسلامي من زاوية لم ينظر منها أولئك فقال ما قال، وكان الأولى أن لا تصدر عنه مثل هذه العبارات أما وقد صدرت فإنا ندعو لنا وله بالرحمة والمغرفة ونلتمس له عذرًا ما دام لم يقل كفرًا.
ومن ناحية منهجية فإنا نلاحظ على سيد قطب رحمه الله تعالى الاستطراد في أبحاث لا رابطة قوية لها بالآية التي يفسرها وكأنه رحمه الله تعالى يلتمس منفذا ينفذ منه إلى تشخيص داء العالم الإسلامي المعاصر وإظهار علاجه وكأنه يخشى أن يهرب منه المريض قبل أن يسمع منه علاجه، فلا يترك سانحة إلا ويشحنها بكل ما في نفسه من علاج حتى وإن كان إيرادها في غير موضعها تماما وحتى إن كان استدرادا وترتب على هذا أيضا أمر آخر هو التكرار وإعادة الحديث مرارا ونحسب سببها واحدا.
ولعل سبب هذه الأخطاء جملة من سيد قطب رحمه الله تعالى ما أشرت إليه آنفا أن الرجل كان أدبي الثقافة واتجه إلى تفسير القرآن الكريم من هذا المنطلق ومن هذا الواقع، فكان تفسيره ما كان ومر حينٌ اتجه رحمه الله تعالى إلى استدراك ما فاته، فسعى للدراسات الشرعية وانطلق من واقعها إلى تنقيح ما كتب وتقويم ما اعوج، فكان له ذلك في أكثره وبقي أقله وهو القليل لا يزال بحاجة إلى هذا التنقيح، لكنه لقلته لا يكاد يذكر بجانب محاسنه.
وغفر الله لنا وله. إنه سميع مجيب.
١ في ظلال القرآن "دراسة وتقويم" صلاح عبد الفتاح دحبور ج٢ ص١٠٣٧.