للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأساس الثامن: التحذير من الإسرائيليات]

ومثل موقفه ذاك كان موقفه من الإسرائيليات؛ فقد كان رحمه الله تعالى يرفض إيرادها في التفسير ويحذر منها ويعدها أساطير لا سند لها صحيح.

قال رحمه الله تعالى في قوله سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} ١: "وتتفرق الأقوال حول فوران التنور، ويذهب الخيال ببعضها بعيدا وتبدو رائحة الإسرائيليات فيها وفي قصة الطوفان كلها واضحة. أما نحن فلا نضرب في متاهة بغير دليل في هذا الغيب الذي لا نعلم منه إلا ما يقدمه لنا النص، وفي حدود مدلوله بلا زيادة"٢.

وبيَّن رحمه الله تعالى موقفه منها في موضع آخر وهو يتحدث عن الطوفان أيضا، حيث قال: وبعدُ أكان الطوفان عاما في الأرض؟ أم أنه كان في تخوم الأرض التي بعث فيها نوح، وأين كانت هذه الأرض وأين تخومها في العالم القديم وفي العالم الحديث؟ أسئلة لا جواب عليها إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، وإلا الإسرائيليات التي لا تستند إلى دليل صحيح وليس لها بعد ذلك قيمة في تحقيق أهداف القصص القرآني في كثير ولا قليل".

إلى أن قال: "وأساطير بني إسرائيل المدونة فيما يسمونه "العهد القديم" تحوي كذلك ذكرى طوفان نوح، ولكن هذا كله شيء لا ينبغي أن يذكر في معرض الحديث القرآني عن الطوفان ولا ينبغي أن يخلط الخبر الصادق الوثيق بمثل هذه الروايات الغامضة وهذه الأساطير المجهولة المصدر والأسانيد، وإن كان لوجود هذه الأخبار الغامضة عن الطوفان عند شعوب شتى دلالته في أن الطوفان قد كان في أرض هذه الأقوام، أو على الأقل قد رحلت ذكرياته مع ذراري الناجين حين تفرقوا في الأرض بعد ذلك وعمروا الأرض من جديد.


١ سورة هود: ٤٠.
٢ في ظلال القرآن: ج٤ ص١٨٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>