للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج التفسير العلمي التجريبي في العصر الحديث]

لا شك أن هذا التفسير لو لم يُربط بينه وبين النصوص القرآنية لكان من الحديث في الأمور الغيبية بلا برهان، فكيف والأمر تجاوز هذا إلى تفسير النصوص القرآنية به، أحسب هذا أمرًا لا ينبغي من مسلم يلتزم بأحكام دينه حتى ولو كان ذا قصد سامٍ في الدعوة إلى الله، فليس هذا بالطريق الحق والله الهادي.

خامسًا: قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} ١.

قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: " {عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} على أن نجمع بعضها إلى بعض فنردها كما كانت مع لطافتها وصغرها، فكيف بكبار الأعضاء؛ فنبه سبحانه بالبنان وهي الأصابع على بقية الأعضاء، وأن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أَوْلَى في القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق، فهذا وجه تخصيصها بالذكر"٢.

أما الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم فقال في تفسيرها: "تدل عبارة تسوية البنان على معنى لم يكشف العلم سره إلا بعد نزول الآية بأكثر من ألف سنة؛ حينما عرف أن لكل بنان بصمة خاصة به، تختلف فيها اتجاهات خطوطها اختلافًا واضحًا بين فرد وآخر وبين جمع البشر، وقد استخدم الإنسان هذه الاختلافات في تحقيق الشخصية عن طريق البصمات، وقد أفادت هذه الحقيقة في التعرف على الأشخاص عن طريق بصماتهم، في حالة وقوع جرائم يترك الجناة فيها بصماتهم على أي شيء تناولوه"٣.

قلت: والذي يجمع بين تفسيري السلف والعلم الحديث أن كلًّا منهما يؤكد أن تخصيص البنان بالذِّكْرِ يدل على أن مَن أعاد خلقها فهو أقدر على إعادة خلق غيرها من بقية الأعضاء، وإن اختلف التعليل عند هؤلاء وهؤلاء؛ فالشوكاني


١ سورة القيامة: ٣، ٤.
٢ فتح القدير: الإمام الشوكاني ج٥ ص٣٣٦.
٣ القرآن وإعجازه العلمي: محمد إسماعيل إبراهيم ص١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>