للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العقل في القرآن]

من المعلوم أن العقل ينقسم إلى قسمين:

١- عقل غريزي: يهبه الله لمن يشاء من عباده فيُسمى عاقلًا، ويسلبه عمن يشاء فيُسمى مجنونًا وتسقط عنه التكاليف، فهو -إذًا- مناط التكليف، والحق أن الناس تتفاوت درجاتهم في هذا العقل بين المعدم منه كالمجنون ثم المعتوه، وهكذا إلى مَن به خفة، إلى أن يصلوا إلى درجة العقلاء؛ إذًا فهم فيه متفاوتون، خلافًا للأشاعرة والمعتزلة الذين قالوا: إن العقل لا يختلف؛ لأنه حجة عامة يرجع إليها الناس عند اختلافهم، ولو تفاوتت العقول لما كان كذلك١، ولا يمنع هذا الذي قالوه تفاوت عقول الناس؛ لأن التكاليف على قدر العقول، وإلا فما معنى أن يسقط التكليف عن المجنون وغير ذلك؛ لكن الذي ينبغي أن نقوله: إن هذا العقل هبة من الله ينعم بها على مَن يشاء مِن عباده.

٢- عقل مكتسب: والمراد به العلم والفَهْم؛ بل هو عمل ونتاج العقل الغريزي، ومتولد منه، ولا ثمرة ولا فائدة للعقل الغريزي إن لم يكن عقلًا متحركًا منتجًا، وهذا العقل هو الذي خصَّه القرآن الكريم بالخطاب، قال الراغب في مفرداته: "كل موضع ذم الله الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} إلى قوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ٢، ونحو ذلك من الآيات، وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول"٣.

فلننظر بعد هذا قول علماء التفسير ذلكم قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن


١ شرح الكوكب المنير: لأبي البقاء محمد بن شهاب الدين الفتوحي ص٢٥.
٢ سورة البقرة: الآية ١٧١.
٣ المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني ص٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>