للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون} ١، فإنا سنجدهم يتفقون على أن معنى "عقلوه" فهموه وضبطوه بعقولهم٢. وهكذا سائر الآيات التي جاء بها ذكر العقل، نجدها كلها تدور حول معنى العلم والفَهْم والإدراك والتدبر، وبهذا ندرك أن المقصود من العقل في القرآن الكريم هو العلم والفَهْم.

ومما يزيد الأمر وضوحًا أن أكثر آيات القرآن الكريم جاءت على وجهين متقابلين٣:

الوجه الأول: آيات تنعى على أولئك الذين لا يعلمون عقولهم التي وهبهم الله إياها، وأنعم بها عليهم؛ فعطلوها عن عملها الذي خلقها الله له، وأنقادوا لشهواتهم ورغباتهم؛ فأصبحوا كمن لا عقل له؛ بل هم أضل.

الوجه الثاني: ويقابل ذلك النعي على أولئك دعوة مَن استعمل عقله إلى إعماله على الوجه الأمثل حسب إرشاد القرآن الكريم وتوجيهاته، وتوجيه أعماله وتفكيره وتدبره لما فيه الخير والصلاح، وإلا صار وبالًا على صاحبه وعلى مجتمعه.

إذًا، فالمقصود فيما نرى بالعقل في القرآن الكريم العقل المكتسب الناشئ عن حركة العقل الغريزي، حركة يدرك بها الحق، ويعمل به، وينقاد إليه، ويفهم بها الباطل؛ فيحذره ويجتنبه، مسترشدًا بهذا وذاك بدليل الوحي، وبدون هذه الحركة فإن العقل الغريزي لا أثر له إلا كونه حُجة على صاحبه يوم القيامة.

فالقرآن إذًا إنما يستثير فينا تحريك العقل؛ حتى يؤدي عمله، وعمله الفقه


١ سورة البقرة: الآية ٧٥.
٢ انظر: تفسير ابن كثير ج١ ص١١٨، وتفسير الشوكاني "فتح القدير" ج١ ص١٠٢، وتفسير أبي السعود ج١ ص١١٦، وتفسير الخازن ج١ ص٦٠، وتفسير القاسمي ج٢ ص١٦٦، والتفسير الوسيط ص١١٦.
٣ العقل مجالاته وآثاره في ضوء الإسلام: رسالة قيمة أعدَّها لنيل درجة الماجستير الشيخ عبد الرحمن بن زيد الزنيدي ص٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>