للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ملأت الجو ضجيجا ضابحا بأصوات محركاتها الصاخبة المصمة للآذان والمرجفة للأفئدة، فالعاديات هي السيارات المنطلقة بعامل الوقود المشتعل في أحشائها، والتي توري به قدحا مضيئا في طريقها: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} .

أما: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} ١ فزعم: "ذلك القدح المضيء إشراقا جعلن به الصبح مغيرا، فطلع كئيبًا كسيفًا؛ لأن العاديات الموريات القدح قد استغنين عنه وعن إشراقه نوره فهن مواصلات سيرهن سواء ظهر أم لم يظهر ولهذا داخلته الغيرة لوجود منافس أرضي خطير٢.

وفي تفسيره كثير من نحو هذا التفسير، نسأل الله لنا وله الهداية.

ومن هذا ما كتبه رجل دفعه حب التجديد المزيف إلى أن يساير روح الإلحاد كما قال الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله تعالى٣، فراح يتأول آيات الحدود بما يوافق هواه وهوى أصحابه، فاتجه أول ما اتجه إلى حدي السرقة والزنا معرضا بوجهه عن إجماع المسلمين عليهما فقال: "فهل لنا أن نجتهد في الأمر الوارد في حد السرقة وهو قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا} والأمر الوارد في حد الزنا وهو قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا} فنجعل كلا منهما للإباحة لا للوجوب ويكون الأمر فيهما مثل الأمر في قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ٤ فلا يكن قطع يد السارق حدا مفروضا لا يجوز العدول عنه في جميع حالات السرقة بل يكون القطع في السرقة هو أقصى عقوبة فيها، ويجوز العدول عنه في بعض الحالات إلى عقوبة أخرى رادعة ويكون شأنه في ذلك شأن كل المباحات التي تخضع لتصرفات ولي الأمر وتقبل التأثر بظروف كل زمان ومكان، وهكذا الأمر في حد الزنى سواء


١ سورة العاديات: الآية الثالثة.
٢ مقال القرآن والعلم: حسين مسيبلي جريدة المدينة المنورة، العدد ٤٥٠١ يوم الجمعة ٢٨ صفر١٣٩٩هت.
٣ التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي ج٣ ص١٩٣-١٩٤.
٤ سورة الأعراف: الآية ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>