للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدوث مذهبي المعتزلة والأشعرية، فقد روى أكثر مدوني التفسير المأثور وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قيل له: إن أناسا يقولون: إن الشر ليس بقدر، فقال ابن عباس: بيننا وبين أهل القدر هذه الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} إلى قوله: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ، وأخرج أبو الشيخ عن علي بن زيد قال: انقطعت حجة القدرية عن هذه الآية. وقال الحافظ ابن كثير في قوله تعالى في رد الآية على شبهتهم أي بهذه الشبهة: ضل من ضل قبل هؤلاء وهي حجة داحضة باطلة؛ لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم وأدال عليهم الرسل الكرام وأذاق المشركين من أليم الانتقام. ا. هـ. وقد جارى أحمد بن المنير صاحب الكشاف على جعل شبهة المشركين عين شبهة المجبرة، ثم جعل الآيتين مبطلتين لمذهبي المعتزلة والمجبرة جميعا ثم نقل نص أحمد بن المنير وجاء فيه: " ... وجماع الرد على المجبرة ... في قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} إلى قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} ، وتتمة الآية رد صراح على طائفة الاعتزال القائلين بأن الله تعالى شاء الهداية منهم أجمعين فلم تقع من أكثرهم ووجه الرد أن "لو" إذا دخلت على فعل مثبت نفته, فيقتضي ذلك أن الله تعالى لما قال: {فَلَوْ شَاءَ} لم يكن الواقع أنه شاء هدايتهم ولو شاءها لوقعت فهذا تصريح ببطلان زعمهم ومحل عقدهم, فإذا ثبت اشتمال الآية على رد عقيدة الطائفتين المذكورتين المجبرة في أولها والمعتزلة في آخرها فاعلم أنها جامعة لعقيدة السنة منطبقة عليها, فإن أولها كما بينا يثبت للعبد اختيارا وقدرة على وجه يقطع حجته وعذره في المخالفة والعصيان, وآخرها يثبت نفوذ مشيئة الله في العبد وأن جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية خير أو غيره وذلك عين عقيدتهم فإنهم كما يثبتون للعبد مشيئة وقدره, يسلبون تأثيرهما ويعتقدون أن ثبوتهما قاطع لحجته ملزم له بالطاعة على وفق اختياره ويثبتون نفوذ مشيئة الله أيضا وقدرته في أفعال عباده, فهم كما رأيت تبع للكتاب العزيز يثبتون ما أثبت وينفون ما نفى, مؤيدون بالعقل والنقل, والله الموفق". ا. هـ١.


١ الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج٢ ص٥٤٧-٥٥٠ باختصار

<<  <  ج: ص:  >  >>