للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضا: "فإن قيل: إن هذا القرآن العظيم نزل بلسان عربي مبين والعرب لا تعرف في لغتها كيفية لليد مثلا إلا كيفية المعاني المعروفة عندها, كالجارحة وغيرها من معاني اليد المعروفة في اللغة, فبينوا لنا كيفية لليد ملائمة لما ذكرتم, فالجواب من وجهين:

الوجه الأول: أن العرب لا تدرك كيفيات صفات الله من لغتها؛ لشدة منافاة صفة الله لصفة الخلق، والعرب لا تعرف عقولهم كيفيات إلا لصفات الخلق, فلا تعرف العرب كيفية للسمع والبصر إلا هذه المشاهدة في حاسة الأذن والعين، أما سمع لا يقوم بأذن، وبصر لا يقوم بحدقة، فهذا لا يعرفون له كيفية البتة، فلا فرق بين السمع والبصر، وبين اليد والاستواء، فالذي تعرف كيفيته العرب من لغتها من جميع ذلك هو المشاهد في المخلوقات. وأما الذي اتصف الله به من ذلك فلا تعرف له العرب كيفية، ولا حدا لمخالفة صفاته لصفات الخلق إلا أنهم يعرفون من لغتهم أصل المعنى، كما قال الإمام مالك، رحمه الله: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، كما يعرفون من لغتهم أن بين الخالق والمخلوق والرزق والمرزوق والمحيي والمحيا، والمميت والممات فوارق عظيمة لا حد لها، تستلزم المخالفة التامة بين صفات الخالق والمخلوق.

الوجه الثاني: أن نقول لمن قال: بينوا لنا كيفية لليد ملائمة لما ذكرتم من كونها صفة كمال وجلال منزهة عن مشابهة جارحة المخلوق: هل عرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة باليد، فلا بد أن يقول: لا, فإن قال ذلك قلنا: معرفة كيفية الصفات تتوقف على معرفة كيفية الذات, فالذات والصفات من باب واحد، فكما أن ذاته جل وعلا تخالف جميع الذوات, فإن صفاته تخالف جميع الصفات، ومعلوم أن الصفات تختلف وتتباين باختلاف موصوفاتها، ألا ترى مثلا أن لفظ رأس كلمة واحدة؟ إن أضفتها إلى الإنسان فقلت: رأس الإنسان، وإلى الوادي فقلت: رأس الوادي، وإلى المال فقلت: رأس المال، وإلى الجبل فقلت: رأس الجبل، فإن كلمة رأس اختلفت معانيها وتباينت تباينا شديدا بحسب اختلاف إضافتها مع أنها في مخلوقات حقيرة. فما بالك بما أضيف من الصفات

<<  <  ج: ص:  >  >>