للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسباب وقوع البأس والبلاء بهم. وفي هذا القدر كفاية لمن لم ينطمس نور الفطرة من قلبه, والله عليم حكيم١.

أهل الكبائر:

في تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ٢، قال رحمه الله تعالى: "ذهب أهل السنة والجماعة إلى أن الخلود في النار إنما هو للكفار والمشركين؛ لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار, فيتعين تفسير السيئة والخطيئة في هذه الآية بالكفر والشرك, ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود"٣.

وبهذا النحو فسر قوله تعالى عن آكلي الربا: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ٤، قال: "ومن عاد أي: إلى تحليل الربا بعد النص, فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"؛ لكفرهم بالنص وردهم إياه بقياسهم الفاسد بعد ظهور فساده, ومن أحل ما حرم الله عز وجل فهو كافر فلذا استحق الخلود, وبهذا تبين أنه لا تعلق للمعتزلة بهذه الآية في تخليد الفساق حيث بنوا على أن المتوعد عليه بالخلود العود إلى فعل الربا خاصة ولا يخفى أنه لا يساعدهم على ذلك الظاهر الذي استدلوا به. فإن الذي وقع العود إليه محمول على ما تقدم كأنه قال: ومن عاد إلى ما سلف ذكره، وهو فعل الربا واعتقاد جوازه والاحتجاج عليه بقياسه على البيع، ولا شك أن من تعاطى معاملة الربا مستحلا لها مكابرا في تحريمها مسندا إحلالها إلى معارضة آيات الله البينات, بما يتوهمه من الخيالات, فقد كفر ثم ازداد كفرا وإذ ذاك يكون الموعود بالخلود في الآية من يقال: إنه كافر مكذب غير مؤمن, وهذا لا خلاف فيه فلا دليل إذًا للمعتزلة على اعتزالهم في هذه الآية والله الموفق, أشار لذلك في الانتصاف. قال في فتح البيان:


١ محاسن التأويل: ج٦ من ص٢٥٤٢ إلى ص٢٥٦٣ باختصار.
٢ سورة البقرة: الآية ٨١.
٣ محاسن التأويل: ج٢ ص١٧٧.
٤ سورة البقرة: من الآية ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>