للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق وجملة المخالفات الشرعية صوارف عن هذا التوجه وآمنوا بالبيعة الخاصة الولوية وقبول الدعوة الباطنة وعملوا الصالحات التي أخذوها من صاحب الطريق, ثم اتقوا نسبة الأفعال والصفات إلى أنفسهم وآمنوا شهودا بما آمنوا به غيابا, وفي هذا المقام يقع السالك في ورطات الحلول والاتحاد والإلحاد وسائر أنواع الزندقة من الثنوية وعبادة الشيطان والرياضة بخلاف الشرائع الإلهية ومغلطة الأرواح الخبيثة بالأرواح الطيبة, فإنه مقام تحته مراتب غير متناهية وورطات غير محصورة وأكثر ما فشا في القلندرية من العقائد والأعمال نشأ من هذا المقام والسالك في هذه المرتبة لا يرى صفة لنفسه ولا فعلا من نفسه؛ ولذلك أسقط العمل الصالح ولم يذكره ثم اتقوا من رؤية ذواتهم, وهذا هو الفناء التام والفناء الذاتي, وفي هذا المقام لا يكون لهم ذات بعد التقوى حتى يتصور لهم إيمان أو عمل والسالك في هذا السفر لا نهاية لسيره ولا تعين لوجوده ولا نفسية له ويظهر منه الشطحيات التي لا تصح من غيره كما تظهر منه في المقام السابق أيضا, وكما لا يرى السالك في هذا المقام لنفسه عينا ولا أثرا لا يرى لغيره أيضا عينا ولا أثرا, ومن هذا المقام نشأت الوحدة الممنوعة وما يترتب عليها من العقائد الباطلة والأعمال الكاسدة, فإن أدركته العناية وأفاق من فنائه وصار باقيا ببقاء الله صار محسنا بحسب الذات والصفات والأفعال؛ ولذلك قال تعالى بعد ذكر التقوى {وَأَحْسَنُوا} وأسقط الإيمان والعمل جميعا؛ لأنه بعد فنائه الذاتي وبقائه بالله صار ذاته وصفته وفعله حسنا وإحسانا حقيقيا, وأما قبل ذلك فإنه لا يخلو من شوب سوئه وإساءته بقدر بقاء نسبة الوجود إلى نفسه قبل فنائه, وأيضا قبل الفناء بقدر نسبة الوجود إلى نفسه يكون مبغوضا لا محبوبا على الإطلاق وبعد الفناء وقبل الفناء بالله لا موضوع له حتى يحكم عليه بالمحبوبية والمبغوضية وبعد البقاء بالله يصير محبوبا على الإطلاق؛ ولذلك قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} في آخر الآية"١.


١ بيان السعادة: محمد حيدر ج١ ص٢٥١ و٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>