قوله:{وَأَرْجُلَكُم} فقد قرئ بالجر، وهو لا محالة بالعطف على رءوسكم، وربما قال القائل: إن الجر للإتباع كقوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠] وهو خطأ، فإن الإتباع على ما ذكروه لغة رديئة لا يحمل عليها كلام الله تعالى، وأما قوله:{كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} فإنما الجعل هناك بمعنى الخلق، وليس من الإتباع في شيء.
على أن الإتباع -كما قيل- إنما ثبت يما ثبت في صورة اتصال التابع والمتبوع، كما قيل في قولهم: جحر ضبٍّ خربٍ، بجر الخرب إتباعًا، لا في مثل المورد مما يفضل العاطف بين الكلمتين.
وقرئ:{وَأَرْجُلَكُم} بالنصب، وأنت إذا تلقيت الكلام مخلَّى الذهن غير مشوب الفهم لم يلبث دون أن تقضي أن "أرجلكم" معطوف على موضع "رءوسكم" وهو النصب، وفهمت من الكلام وجوب غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، ولم يخطر ببالك أن ترد "أرجلكم" إلى "وجوهكم" في أول الآية مع انقطاع الحكم في قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} بحكم آخر وهو قوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ؛ فإن الطبع السليم يأبي عن حمل الكلام البليغ على ذلك، وكيف يرضى طبع متكلم بليغ أن يقول مثلًا: قبلت وجه زيد ورأسه ومسحت بكتفه ويدَه، بنصب "يد" عطفًا على "وجه زيد" مع انقطاع الكلام الأول، وصلاحية قوله "يده" لأن يعطف على محل المجرور المتصل به، وهو أمر جائز دائر كثير الورود في كلامهم.
وعلى ذلك وردت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأما الروايات من طرق أهل السنة فإنها وإن كانت غير ناظرة إلى تفسير لفظ الآية؛ وإنما تحكي عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفتوى بعض الصحابة؛ لكنها مختلفة: منها ما يوجب مسح الرجلين، ومنها ما يوجب غسلهما.
وقد رجح الجمهور منهم أخبار الغسل على أخبار المسح، ولا كلام لنا
١ ورد في الأصل: "وامسحوا بوجوهكم"، وهو سبق قلم فصححتُه.