ورد وصف الأمة بالواحدة في قوله تعالى في سورة الأنبياء {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}[٢١: ٩٢، ٩٣] جاءت هذه الآية الكريمة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} إلخ بعد ذكر جمع من الأنبياء -صلوات الله عليهم- وذكر ما كان من شأنهم مع قومهم، والخطاب فيها للأنبياء كما يفسره قوله تعالى في سورة المؤمنين بعدما ذكر من أحوال الأنبياء والمرسلين وما كان من أقوامهم معهم:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[٢٣: ٥١-٥٤] .
وقد جاء لفظ "أمة" بالنصب في الآيتين على الحال، والخبر قد تم في قوله:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} أي: هذا الجمع من الأنبياء والمرسلين أمتكم؛ أي: جماعتكم حال أنها أمة واحدة؛ أي: ليس جمعًا تربطه الروابط البعيدة، كما يقال: أمة الهند على اختلاف مللها وتفرق كلمتها؛ بل هي أمة تربطها رابطة قريبة هي رابطة الاهتداء بنور الله، والدعوة إلى توحيده، والقيام على شرعه، وحمل الناس على اتباع أحكامه، فهي مجتمعة على أمر واحد لا تعدد فيه هو الحق والعدل، فهي جديرة بأن تكون أمة واحدة، وإن شئت قلت كما قالوا: إن الأمة بمعنى الملة -في الآيتين- يراد بذلك أن الله يخبر المرسلين بأن هذا الذي سبق في الكلام من السير في الناس بهداية الله، والمثابرة على ذلك، وعدم المبالاة بما يكون منهم من تكذيب أو تعذيب، هذه هي ملتكم ودينكم وهو أمر واحد لا تعدد فيه، يأتي به السابق، ويتبعه عليه اللاحق، لا يختلف فيه نبي عن نبي، ولا يناكر فيه مرسل مرسلًا.
هذا المعنى من الوَحْدَة هو الذي جاء في قوله تعالى في سورة هود:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين}[١١: ١١٨] ، وفي قوله في سورة الشورى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير} ١ [٤٢: ٨] ".
١ الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج١ ص١٨٧، ١٨٨.