ثم عقب على هذه الأمور الثلاثة نحو تعقيب الخولي فقال:"وإذا كان أرباب هذا المسلك في التفسير يستندون إلى ما تناولته بعض آيات القرآن من حقائق الكون ومشاهده، ودعوة الله لهم بالنظر في كتاب الكون وآياته التي بثها في الآفاق وفي أنفسهم، إذا كانوا يستندون إلى مثل هذا في دعواهم أن القرآن قد جمع علوم الأولين والآخرين؛ فهم مخطئون ولا شك؛ وذلك لأن تناول القرآن لحقائق الكون ومشاهده، ودعوته إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض وفي أنسهم، لا يراد منه إلا رياضة وجدانات الناس، وتوجيه عامتهم وخاصتهم إلى مكان العظة والعبرة، ولفتهم إلى آيات قدرة الله ودلائل وحدانيته، من جهة ما لهذه الآيات والمشاهد من روعة في النفس وجلال في القلب، لا من جهة ما لها من دقائق النظريات وضوابط القوانين، فليس القرآن كتاب فلسفة أو طب أو هندسة.
وليعلم أصحاب هذه الفكرة أن القرآن غنيٌّ عن أن يعتز بمثل هذا التكلف الذي يوشك أن يخرج به عن هدفه الإنساني الاجتماعي في: إصلاح الحياة، ورياضة النفس، والرجوع بها إلى الله تعالى.
وليعلم أصحاب هذه الفكرة أيضًا أن من الخير لهم ولكُتَّابهم ألا ينحوا بالقرآن هذا المنحى في تفسيرهم؛ رغبة منهم في إظهار إعجاز القرآن وصلاحيته للتمشي مع التطور الزمني، وحسبهم ألا يكون في القرآن نص صريح يصادم حقيقة علمية ثابتة، وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه وبين ما جد ويجد من نظريات وقوانين علمية تقوم على أساس من الحق، وتستند إلى أصل من الصحة"١.
والذهبي كما ترى يرفض التفسير العلمي أو تطبيق آيات القرآن عليه كل
١ التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي ج٢ ص١٥٩، ١٦٠.