للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ١: "لقد كان القرآن بصدد إنشاء تصور خاص، ونظام خاص، ومجتمع خاص، كان بصدد إنشاء أمة جديدة في الأرض، ذات دَوْرٍ خاص في قيادة البشرية؛ لتنشئ نموذجًا معينًا من المجتمعات غير مسبوق، ولتعيش حياة نموذجية خاصة غير مسبوقة، ولتقر قواعد هذه الحياة في الأرض، وتقود إليها الناس.

والإجابة "العلمية" عن هذا السؤال ربما كانت تمنح السائلين علمًا نظريًّا في الفلك إذا هم استطاعوا، بما كان لديهم من معلومات قليلة في ذلك الحين أن يستوعبوا هذا العلم، ولقد كان ذلك مشكوكًا فيه كل الشك؛ لأن العلم النظري من هذا الطراز في حاجة إلى مقدمات طويلة، كانت تعد بالقياس إلى عقلية العالم كله في ذلك الزمان معضلات.

من هذا عدل عن الإجابة التي لم تتهيأ لها البشرية ولا تفيدها كثيرًا في المهمة الأولى التي جاء القرآن من أجلها، وليس مجالها على أية حال هو القرآن؛ إذ القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك المعلومات الجزئية، ولم يجئ ليكون كتاب علم فلكي أو كيمياوي أو طبي، كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه العلوم، أو كما يحاول بعض الطاعنين فيه أن يتلمسوا مخالفاته لهذه العلوم!

إن كلتا المحاولتين دليل على سُوء الإدراك لطبيعة هذا الكتاب ووظيفته ومجال علمه. إن مجاله هو النفس الإنسانية والحياة الإنسانية. وإن وظيفته أن ينشئ تصورًا عامًّا للوجود وارتباطه بخالقه، ولوضع الإنسان في هذا الوجود وارتباطه بربه، وأن يقيم على اساس هذا التصور نظامًا للحياة يسمح للإنسان أن يستخدم كل طاقاته، ومن بينها طاقته العقلية، التي تقوم هي بعد تنشئتها


١ سورة البقرة: من الآية ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>