للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القرآن الكريم مثلًا: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} ، ثم تكشف الملاحظات العلمية أن هناك موافقات دقيقة وتناسقات ملحوظة بدقة في هذا الكون؛ الأرض بهيئتها هذه ويبعد الشمس عنها هذا البعد، وبعد القمر عنها هذا البعد، وحجم الشمس والقمر بالنسبة لحجمها، وبسرعة حركتها هذه، ويميل محورها هذا، وبتكوين سطحها هذا، وبآلاف من الخصائص ... هي التي تصلح للحياة وتوائمها، فليس شيء من هذا كله فلتة عارضة ولا مصادفة غير مقصودة ... هذه الملاحظات تفيدنا في توسيع مدلول: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} ١، وتعميقه في تصورنا، فلا بأس من تتبع مثل هذه الملاحظات لتوسيع هذا المدلول وتعميقه ... وهكذا.

هذا جائز ومطلوب؛ ولكن الذي لا يجوز ولا يصح علميًّا هذه الأمثلة الأخرى:

يقول القرآن الكريم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين} ٢، ثم توجد نظرية في النشوء والارتقاء لوالاس ودارون تفترض أن الحياة بدأت خلية واحدة، وأن هذه الخلية نشأت في الماء، وأنها تطورت حتى انتهت إلى خلق الإنسان، فنحمل نحن هذا النص القرآني ونلهث وراء النظرية لنقول: هذا هو الذي عناه القرآن!!

لا، إن هذه النظرية أولًا ليست نهائية؛ فقد دخل عليها من التعديل في أقل من قرن من الزمان ما يكاد يغيرها نهائيًّا، وقد ظهر فيها من النقص المبني على معلومات ناقصة عن وحدات الوراثة التي تحتفظ لكل نوع بخصائصه، ولا تسمح بانتقال نوع إلى نوع آخر ما يكاد يبطلها، وهي معرضة غدًا للنقض والبطلان؛ بينهما الحقيقة القرآنية نهائية، وليس من الضروري أن يكون هذا معناها؛ فهي تثبت فقط أصل نشأة الإنسان، ولا نذكر تفصيلات هذه النشأة، وهي نهائية في النقطة التي تستهدفها، وهي أصل النشأة الإنسانية ... وكفى ولا زيادة.


١ سورة الفرقان: آية ٢.
٢ سورة المؤمنون: آية ١٢، وقد جاءت هذه الآية في الأصل "خَلْقَ الْإنْسَانِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>