من علماء الشيعة في العصر الحديث كادت ومكرت في سبيل تقرير هذه العقيدة إذ لم يثبتوها بطريق مألوف مباشر، بل أنكروا قولهم بالتحريف وزعموا أنها عقيدة أهل السنة وذهبوا يستدلون لافترائهم هذا بأدلة لا أشك في اعتقادهم وهنها وضعفها دلالة وثبوتا وإنما أوردوها خداعا وتمويها وما عدا ذلك فاستدلوا بقول أهل السنة بالناسخ والمنسوخ وباختلاف القراءات وشبه لهم أن قول أهل السنة بهذا قول بالتحريف قلبوا الحقيقة فقول أهل السنة بهذا دليل على الحفظ لا على ضده إذ إنهم لم يفتهم من القرآن حتى ما نسخ وحتى القراءات المتعددة للكلمة, فإذا كان لم يفتهم شيء من هذا ولا ذاك، بل دونوه وميزوا بين الناسخ والمنسوخ وبين ما يقرأ به وما لا يقرأ به, وهذا لعمري من أقوى الأدلة على حفظ هذا القرآن الكريم إلا عند صاحب هوى وبدعة.
وإن المسلم ليعجب لحماس الشيعة في إيراد الأدلة عند أهل السنة والتكلف لإثباتها وتقرير دلالتها وهم يزعمون إنكار التحريف, ويعجب لهذا الحرص على تصحيحهم لهذه الأدلة ولا يدري سببا لم ينكرون -بزعمهم- القول بالتحريف إذا كانوا يعتقدون صحة هذه الأقوال.
ويبطل عجب المسلم اللبيب إذا عرف أنهم ينكرون القول بالتحريف تقية وكيدا ومكرا, ويعوضون هذا الإنكار بإيراد الأدلة والشبه وحشو ذهن القارئ بها ونسبة ذلك إلى عقيدة أهل السنة حتى إذا ما قبل القارئ دلالة هذه الأدلة وصدقها قال بتحريف القرآن, فوافق معتقدهم حقيقة وإن رفضها وأنكرها فإنما أنكر أدلة أهل السنة ورفض رأي أهل السنة وخرجوا منه أبرياء.. وهذا لعمري كيد أي كيد, ومكر أي مكر.
وأمر آخر, ذلكم أن كل من خالف من أهل الفرق فإنه أوّل آيات القرآن وحرف معانيها وحرف مدلولاتها عن حقيقتها إلى ما يؤيد مذهبه ولم يجرؤ أحد من أصحاب المذاهب والفرق إلى القول بالزيادة أو النقصان في القرآن إلا فرقة واحدة فرقة الشيعة, إذ لم يجدوا من النصوص القرآنية ما يؤيد عقيدتهم ولم يستطيعوا تأويلها وصرف معانيها عن حقيقتها صرفا يوازي انحراف عقيدتهم