للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين} ١.

ودعاه إلى التدبر والنظر والتأمل في هذه الحياة الدنيا ونعيمها الزائل {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} ٢.

هذه بعض مظاهر التأمل التي دعا القرآنُ العقلَ إليها، وهو حين يدعوه إلى ذلك لا يريد منه أن يقف عند حدود التأمل والنظر، فليس ذلك بمراد لذاته؛ وإنما ليعبر منه إلى ثمرته وفائدته؛ فيقوِّم به عقيدته، ويرسي أركانها، ويثبت قواعدها ثباتًا لا تزعزعه هبات؛ بل رياح الشهوات؛ وحينئذ يكون الفلاح، وحينئذ يكون الإيمان الحق؛ ذلكم هو المراد وهو الهدف؛ لكنه ليس هو نهاية المطاف.

ثانيًا: وحين يصل القرآنُ بالعقل إلى هذه الدرجة فإنه لا يدعه هملًا؛ بل وجه طاقته إلى هدف آخر أوسع رُقعة وأعظم نتيجة؛ تلكم هي مراقبة الحياة الاجتماعية مراقبة إصلاح وتوجيه لما فيه فلاحها وسعادتها {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ٣.

وليست هذه المهمة لإصلاح المجتمع مسئولية المجتمع كله فحسب؛ بل هي مسئولية كل فرد فيه، فلا قيمة للصلاح إذا اقتصر على إصلاح الذات ولم يتسع لإصلاح الآخرين مع القدرة على ذلك {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} ٤، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ٥.


١ سورة الأنعام: آية ٦.
٢ سورة الكهف: آية ٤٥.
٣ سورة آل عمران: آية ١٠٤.
٤ سورة الأنفال: آية ٢٥.
٥ سورة المائدة: الآيتين ٧٨، ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>