للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تزل العلوم العقلية بعد هذا تنمو وتتسع متوازنة مع توسع الفتوحات الإسلامية، ومع دخول الناس على اختلاف مشاربهم، وتعدد منازعهم، وتنوع رغباتهم وحقائقهم في الإسلام، اتسعت هذه العلوم؛ فترجمت العلوم إلى العربية، وأقبلوا بصفة خاصة على الفلسفة اليونانية؛ لحاجتهم إليها في الجدل والمناظرة؛ فتجاوز الحديث عن المنطق أدناه إلى الحديث عن حدوده وقضاياه وأقيسته، فظهرت في المؤلفات عبارات واصطلاحات ومدلولات لم يكن لها سابق وجود؛ فتحدثوا عن العرض والهيولى والجوهر والصورة والقياس والقضايا السالبة والموجبة.

ومن الطريف أن العقل نفسه لم يسلم من هذا التنازع؛ فتنازعت فيه طوائف؛ طائفة تمجده وترفع من مقامه إلى درجة تقديسه، وإعطائه أكثر من حقه، وعُرف هؤلاء بالمعتزلة؛ ولهذا سماهم بعض المستشرقين بـ"العقليين"١ أو المدرسة العقلية الأُولَى.

وفي مقابل هؤلاء ذهبت طائفة إلى احتقار العقل وامتهانه، واعتقدوا في بعض البله والمجانين، وزعموا أنهم أولياء، وفضلوهم على متبعي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم٢.

ولكل مِن هؤلاء وأولئك شبهات وضلالات، والحق وسط بينهما، تجاوزه الأولون فضلوا، وقصر دونه الآخرون فضلوا، واستقر السلف وما زالوا على عرشه فاهتدوا وما زالوا مهتدين.


١ ضحى الإسلام: أحمد أمين ج٣ ص٨٩.
٢ شرح العقيدة الطحاوية: علي بن علي بن أبي العز الحنفي ص٥٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>