التي أسلمته إلى فترة البيات -وليس بياتًا شتويًّا؛ وإنما بيات طويل- أخلد فيها العالم الإسلامي إلى الدعة، وآثر السكون والخمول.
فتداعت عليه الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها؛ فأكلوا منه وشربوا وراحوا يقتسمون البلاد ويستخرجون ثرواتها وأهلها نائمون.
وأمست البلاد الإسلامية كافة تحت سيطرة البلاد الأوربية التي استغلت خيراتها وثرواتها، وكان أن استيقظ نفر على هذا الضجيج الحضاري؛ فكانوا تمامًا كنفر ناموا حقيقة، ثم وقع على رءوسهم وهم نائمون جلبة وضوضاء مفزعة؛ فقامت طائفة مضطربة تقفز يمنةً ويسرةً على غير هدى، وتتكلم بكلام هو وليد دهشتها ورعبها، وقامت طائفة أخرى بهدوء وسكينة؛ فهللوا وكبروا وذكروا الله فأنزل الله على قلوبهم السكينة.
ولم تزل الطائفة الثالثة نائمة لم تشعر بشيء، وأنَّى لهم؟! تلكم الطوائف الثلاث هي واقع المسلمين -فيما أحسبه- في نهضتهم الحديثة قامت طائفة -كما قام الأولون- مندهشين مبهورين فزعين مضطربين، يدعون إلى الحضارة الغربية دعوة
عمياء، وينعقون بما لا يفهمون أو بما يفهمون ولا يعقلون، وقام الآخرون فنظروا بعيون بصيرة وقلوب مطمئنة فاختاروا السبيل السوي ودعوا إليه، ولم تزل الطائفة النائمة تغط في سبات عميق.
أما العدو الصائل فقد أعد للأمر عُدته؛ فأقصى أصحاب الثقافة الدينية أصحاب القلوب المطمئنة عن ميادين الإصلاح الاجتماعي، وحصر وظائفهم في المساجد التي قَلَّ روادها عمومًا، وسلم المضطربين الفزعين الوظائف الحكومية وأدوات التوجيه الاجتماعي؛ فكانوا لا يسيرونها إلا بوحي وتوجيه منه وكان المراد!! وأبقى على النائمين نومهم.
فكان للاستعمار -بل الاستهدام إن صح التعبير- السيطرة على أجهزة التعليم في كثير من البلاد الإسلامية، فضلًا عن جهوده الدائبة لنشر التغريب واللادينية بكل الوسائل الممكنة، وأوهموا الناس أن حالة العالم الإسلامي تمامًا كحالة أوربا في العصور الوسطى، وأنه لن ينهض إلا بما نهضت به أوربا من