للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الإسلام من أسباب دخول النار عدم الاهتداء بالعقل {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ١.

هذه بعض أمثلة على مكانة العقل في الإسلام، بعضها يرسي له مكانة سامية ودرجة عالية، ومع هذا التكريم فقد كرمه مرة أخرى تكرمة عدها بعض مَن لا علم له ولا معرفة امتهانًا، وعدها ذوو العقول والألباب لا تقل عن سابقها من المكارم؛ تلكم المكرمة أنه حد له حدودًا لا يتجاوزها، ورسم له مراسم لا يتعداها، لا لشيء إلا لأنه سيضل فيها ويتيه، ولا لشيء إلا لأنها فوق مداركه وفوق قدراته وطاقاته، ومن الخير له كل الخير أن يقف دونها لايخوض فيها، وفي هذا -ولا شك- تكريم له وأي تكريم.

وكما مر بنا فقد نبتت في الإسلام نابتة أعطت العقل أكثر من حقه، وزعمت أنه خُلق ليعرف، وهو قادر على أن يعرف كل شيء المنظور وغير المنظور، وجعلوه الحَكَمَ الذي يحكم في كل شيء، والنور الذي يجلو كل ظلمة، حكموه في إيمانهم وفي جميع شئونهم الخاصة والعامة٢، حتى قال عالمهم ومفسرهم الزمخشري رامزًا للعقل بالسلطان: "امشِ في دينك تحت راية السلطان، ولا تقنع بالرواية عن فلان وفلان، فما الأسد المحتجب في عرينه أعز من الرجل المحتج على قرينه، وما العنز الجرباء تحت الشمأل البليل أذل من المقلد عند صاحب الدليل"٣.

وقد أدى بهم تحكيم العقل المجرد عن النص إلى ان شطحوا بعقولهم شطحات وهفوا هفوات في الكتاب والسنة؛ بل في جوانب كثيرة من العقيدة، ما كانوا ليقعوا فيها لو اهتدوا إلى سبيل الحق.

وقد امتطى هذه الصهوة رجال جاءوا من بعدهم، فمال بهم وأدى بهم إلى أمور خاطئة، واعتقادات باطلة، وأحكام زائفة، وهم وإن لم يوافقوهم كل الموافقة


١ سورة الملك: من الآية ١٠.
٢ الفكر الإسلامي بين الأمس واليوم: محجوب بن ميلاد ص١١٤.
٣ أطواق الذهب في المواعظ والخطب: الزمخشري مقالة ٣٧ ص٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>