للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أيد الشيخ رشيد رضا ما ذهب إليه شيخُه بذكر النص الوارد في التوراة المتعلق بقتل البقرة، ثم قال بعد هذا: "فعُلم من هذا أن الأمر بذبح البقرة كان لفصل النزاع في واقعة قتل"١، ثم قال: "والظاهر مما قدمنا أن ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل إذا وجد القتيل قرب بلد ولم يعرف قاتله؛ ليعرف الجاني من غيره ... ومعنى إحياء الموتى على هذا حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تُسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس؛ أي: يحييها بمثل هذه الأحكام، وهذا الإحياء على حد قوله تعالى: {مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [٥: ٣٢] ، وقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، فالإحياء هنا معناه الاستبقاء كما هو المعنى في الآيتين، ثم قال: {وَيُرِيكُمْ آيَاتِه} بما يفصل بها في الخصومات، ويزيل من أسباب الفتن والعداوات"٢.

وبهذا يكون الشيخ محمد عبده وتلميذه صَرَفَا معنى الآية عن أن تكون قصة واقعة أحيا الله فيها القتيل {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} ليكون آية للناس {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} صرفا هذه الآيات عن هذا المعنى إلى أنها وردت لبيان حكم كان في بني إسرائيل، فعلوا هذا ليوافق ما جاء عن أهل الكتاب "والإسرائيليات".

هذه بعض مواطن وقوعهم فيما حذروا منه، فوقعوا في مثله أو أسوأ منه، وقد ترددت في اعتبار هذا من أسس منهجهم ما داموا لم يلتزموا، لولا أني رأيت أن القول الصريح مقدَّم على الفعل في الاستدلال، فأقوالهم صريحة في رفض الإسرائيليات؛ فاعتبرته كذلك وإن لم يلتزموه.


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج١ ص٣٤٧، ٣٤٨.
٢ المرجع السابق: ج١ ص٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>