للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرية في العقيدة:

فقد أعلنها الإسلام صريحة {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} ١، قال الشيخ محمد عبده في تفسيرها: " {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قاعدة كبرى من قواعد دين الإسلام، وركن عظيم من أركان سياسته، فهو لا يجيز إكراه أحد على الدخول فيه، ولا يسمح لأحد أن يُكره أحدًا من أهله على الخروج منه؛ وإنما نكون متمكنين من إقامة هذا الركن وحفظ هذه القاعدة إذا كنا أصحاب قوة ومنعة، نحمي بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتنتنا في ديننا اعتداء علينا بما هو آمن أن نعتدي بمثله عليه، إذًا أمرنا أن ندعوا إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة، فالجهاد من الدين بهذا الاعتبار؛ أي: أنه ليس من جوهره ومقاصده؛ وإنما هو سياج له وجنة، فهو أمر سياسي لازم له للضرورة"٢.

وزاد الأستاذ محمد رشيد رضا وضوحًا بقوله: "ولكن قد يرد علينا أننا قد أمرنا بالقتال"، ثم يجيب على هذا بقوله: "إن الإكراه ممنوع، وإن العمدة في دعوة الدين بيانه حتى يتبين الرشد من الغي، وإن الناس مخيرون بعد ذلك في قبوله وتركه، شرع القتال لتأمين الدعوة ولكف شر الكافرين عن المؤمنين؛ لكيلا يزعزعوا ضعيفهم قبل أن تتمكن الهداية من قلبه، ويقهروا قويهم بفتنته عن دينه كما كان يفعلون في مكة جهرًا؛ ولذلك قال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} ٣، ٤.

ومما يتصل بحرية العقيدة حرية الجدل الديني ما دام جدالًا بالتي هي أحسن، فقد قال الأستاذ محمد فريد وجدي في تفسير قوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ٥: "ولا تجادلوا أهل


١ سورة البقرة: من الآية ٢٥٦.
٢ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٣ ص٣٧.
٣ سورة البقرة: من الآية ١٩٣.
٤ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٣ ص٣٩.
٥ سورة العنكبوت: من الآية ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>