فقد نفى الله سبحانه وتعالى في الآية الثانية قَتْلَ عيسى -عليه السلام- وأثبت في الآية الأولى وفاته.
فهل يعني هذا إثبات الوفاة بدون قتل ولا صلب، أو أن المراد بالوفاة في الآية الأولى معنى آخر؟ ثم ما المراد بالرفع في الآيتين؟ هل المراد به رفع جسمه -عليه السلام- أو رفع مكانته وتشريفه؟ وهل يُفهم هذا الأخير من الآيتين؟ وما الذي أوجب صرف الوفاة عن معناها المتبادر إلى معنى آخر؟ وما الذي أوجب صرف الرفع عند الفريق الآخر عن معناه الحسي إلى معناه المعنوي؟
كل هذا ما يرد في هاتين الآيتين من التساؤل، وكله يرجع إلى الخلاف في المراد بكلمتي الوفاة والرفع، فلنذكر المراد بهما ومعناهما عند السلف.
قال الإمام الطبري -رحمه الله تعالى- في تفسيره:
"ثم اختلف أهل التأويل في معنى "الوفاة" التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآية؛ فقال بعضهم: هي وفاة نوم، وكان معنى الكلام على مذهبهم: إني منيمك ورافعك في نومك".
ثم قال:"وقال آخرون: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض، فرافعك إلي، قالوا: ومعنى "الوفاة" القبض، كما يقال: توقيت من فلان ما لي عليه؛ بمعنى: قبضته واستوفيته، قالوا: فمعنى قوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} أي: قابضك من الأرض حيًّا إلى جواري، وآخذك إليَّ ما عندي بغير موت، ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك".
ثم قال:"وقال آخرون: معنى ذلك: إني متوفيك وفاة موت".
وقال:"وقال آخرون: معنى ذلك: إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إليَّ، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا".
وقال:"هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم".
قال أبو جعفر١: وأَوْلَى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول مَن قال: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليَّ؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض