للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يعمل به؛ حتى صار الناس يتبجحون بارتكاب الموبقات مع الاعتراف بأنها من كبائر ما حرم، كما بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال: إنني لا أنكر أنني آكل الربا؛ ولكنني مسلم أعترف بأنه حرام، وقد فاته أنه يلزمه بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل هذا الوعيد، وبأنه يرضى أن يكون محاربًا لله ولرسوله، وظالمًا لنفسه وللناس، كما سيأتي في آية أخرى، فهل يعترف بالملزوم، أم ينكر الوعيد المنصوص، فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض؟ نعوذ بالله من الخذلان"١.

ولا شك أيضًا أنه جَانَبَ الصواب في هذا؛ لأن النصوص الكثيرة دلت على أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار؛ وإنما يخلد المشركون دونهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٢، وقال سبحانه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ٣.

وقد وردت أحاديث كثيرة في السنة في بيان عدم خلود أصحاب الكبائر في النار ما داموا غير مشركين، وأنهم يخرجون منها؛ قال الإمام الشوكاني: "والمصير إلى هذا التأويل واجب للأحاديث المتواترة"٤، وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه يخرج مَن النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان" "٥.

ولهذا أَوَّلَ السلف الخلود في الآية السالفة بأحد تأويلين:

أولهما: أن المعنى: ومَن عاد إلى القول بأن البيع مثل الربا فقد استحل ما حرم الله فيكفر فيستحق الخلود.

وثانيهما: تأويل الخلود بطول المكث.


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٣ ص٩٨، ٩٩.
٢ سورة النساء: الآية ٤٨، وأيضًا الآية ١١٦.
٣ سورة الزمر: الآية ٥٣.
٤ فتح القدير: الشوكاني ج١ ص٢٩٦.
٥ تفسير ابن كثير ج١ ص٥٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>