للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} ١، وقال سبحانه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ٢.

وهذه الآيات وغيرها تنص نصًّا على خَلْق آدم أبي البشر من تراب، ثم تناسل ذريته من بعد من ماء مهين؛ ذلكم مجمل معتقد السلف.

ثم ظهرت على مسرح النظريات العلمية نظرية اعترف أصحابها أنها نظرية وأَبَى آخرون إلا أن يعدوها حقيقة علمية؛ تلكم ما يعرف بـ"نظرية داروين"، فذهبوا للاستدلال لها كل مذهب، ووقف آخرون حائرون بين الدين الذي يعتقدون والنظرية التي يستمعون.

أحسب أنه عَزَّ عليهم أن يقع تصادم بين الدين والعلم؛ بل ما حسبوه علمًا ثابتًا؛ فأخطئوا الطريق، وظنوا أن سبيل التوفيق تأويل الآيات القرآنية تأويلًا يوافق هذه النظرية؛ فلا يكون تصادم ولا يكون تناقض.

اخطئوا الطريق مرتين، مرة حين حسبوها حقيقة علمية مع أن صاحبها "داروين" نفسه لم يجزم بها؛ حيث قال: "اسمح لي أن أضيف إلى هذا بأني لست من قلة العقل بحيث أتصور بأن نجاحي يتعدى رسم دوائر واسعة لبيان أصل الأنواع"٣.

ومرة حين عمدوا إلى الآيات الصريحة يؤولونها ويصرفونها عن معانيها لا لشيء إلا لأنها لم توافق تلكم النظرية.

والشيخ محمد عبده وتلميذه السيد رشيد رضا لم يرفضا هذه النظرية، والحق أيضًا أنهما لم يعلنا قبولها؛ لكنهما فسرا الآيات القرآنية بما يفتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يقول بها، وأنكرا مصادمة القرآن لها.

خذ مثلًا تفسير الشيخ محمد عبده لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ


١ سورة النساء: من الآية الأولى.
٢ سور آل عمران: الآية ٥٩.
٣ على أطلال المذهب المادي: محمد فريد وجدي ج١ ص١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>