للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنه لا يقول به في ربا الفضل؛ بل ينكر على ابن حجر قوله: "إن ما ورد من الوعيد على الربا شامل لجميع أنواعه". ويعد السيد رشيد قول ابن حجر خطأ؛ فإن منها عنده -أي: عند ابن حجر- بيع قطعة من الحلي كسوار بأكثر من وزنها دنانير، أو بيع كيل من التمر الجيد بكيل وحفنة من التمر الرديء، مع تراضي المتبايعين وحاجة كل منهما إلى أخذه، ومثل هذا لا يدخل في نهي القرآن، ولا في وعيده، ولا يصح أن يُقاس عليه، كما لا يصح أن يقال: إن خلوة الرجل بامرأة لا يشتهيها ولا تشتهيه كالزنا في حرمته ووعيده١.

بل تجاوز هذا حين قامت البلاد المصرية وقعدت في أيامه لمسألة الربا، واقترح كثيرون إنشاء بنك الإسلامي؛ فكان العلاج الذي قدمه من وجهين:

"أما الأول: فيوجه إلى فريق المقلدين، وهم أكثر المسلمين في هذا العصر، فيقال لهم: إن في مذاهبكم التي تتقلدونها مخرجًا من هذه الضرورة التي تدعونها، وذلك بالحيلة "!! " التي أجازها الإمام الشافعي، الذي ينتمي إلى مذهبه أكثر أهل هذا الفطر، والإمام أبو حنيفة، الذي يتحاكمون على مذهبه كافة، ومثلهم في ذلك أهل المملكة العثمانية التي أنشئت فيها مصارف "بنوك" الزراعة بأمر السلطان، وهي تقرض بالربا المعتدل "!! " مع إجراء حيلة المبايعة التي يسمونها المبايعة الشرعية.

وأما الثاني: فيوجه إلى أهل البصيرة في الدين، الذين يتبعون الدليل ويتحرون مقاصد الشرع، فلا يبيحون لأنفسهم الخروج عنها بحيلة ولا تأويل، فيقال لهم: إن الإسلام كله مبني على قاعدة اليسر ورفع الحرج والعسر الثابتة بنص قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [٢: ١٨٥] ، وقوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [٥: ٦] .

وإن المحرمات في الإسلام قسمان:

الأول: ما حرم لذاته لما فيه من الضرر، وهو لا يباح إلا لضرورة، ومنه


١ انظر تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٤ ص١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>